عبدالله الأعرج

كفى تشكيا!

الاحد - 29 نوفمبر 2020

Sun - 29 Nov 2020

لا يوجد وقود يشعل فتيل التشكي أكثر من الفراغ وقلة العمل واعتلال النفس.

العاملون والمشغولون يندر أن يكون لديهم وقت للتشكي، وإن حصل فهو لا يتجاوز تأففا وقتيا يبوح فيه المزارع مثلا بسخطه لمن حوله عن سبب عدم جريان الماء من المكان المخصص له، أو يشتكي فيه عامل البناء - على عجل - من عدم جودة المعول أو رداءة الطوب، وأنهما ليسا جيدين كما كانا ذات يوم!

جلس أحدهم وهو يتقاضى مرتبا كبيرا ويؤدي عملا بسيطا ويغيب أكثر من حضوره في مجلس مع زملائه وهم يحتسون قهوة تكاد أرومتها تذهب بالألباب، وبدأ في نثر كنانة السلبية فوق رؤوسهم، فالعمل بتقديره مضنٍ، والأجور غير عادلة، والإدارات غير متعاونة، والطريق إلى العمل بعيد يزيد على 10 كيلومترات!

والمبنى قديم، ولم يقم من مجلسه ذلك حتى أحبط المتفائل، وثبط المتحفز، وقتل طموح الموظف الجديد الذي لم تدنس روحه بعد بقصص سنين يرويها قاص غير عادل! ومثل صاحبنا هذا تسمع عن كثير منهم في بيئات العمل رجالا ونساء تعرفهم بسيماهم، لا يكفون عن جلد الذات، حتى توشك أن تقسم أن نهارك لن يكون كما تروم حين تستهل يومك بالسلام على أحدهم ناهيك عن أن تتحدث معه.

وحول هذا المعنى الذي يعبر القارات، يقول جون ماكسويل المؤلف والمتحدث الأمريكي الشهير «إن الأفكار السلبية تمنع الآخرين من الاستجابات الإيجابية»، وهي مقولة تؤكد أن هذا السلوك (حرية محرمة)، ذلك أن أثرها الروحي يحدث تأثيرا مزعجا لدى الآخرين، وهذا الأمر مرفوض بالضرورة حين نسلم أن الإنسان حرّ ما لم يضر.

وبالمنطق نفسه يقول زعيم الهند المهاتما غاندي، الذي لم تتسلل السلبية إلى نفسه في أحلك الظروف «اجعل قيمك إيجابية على الدوام لأن القيم لا محالة ستتحول إلى أقدار»، وما علم غاندي أنني كنت أرى جارنا الحجازي عم عبدالله - رحمه الله عليه - يمسك فم أحدهم حين يذكر ما لا يسر ويصرخ «يا واد اسكت القدر مربوط بالمنطق»!

ولأن تفشي السلبية والتشكي (الظالمين) في العمل والبيوت أمر مزعج يحتاج إلى لقاح فاعل، فإن الحل بالنقيض هو أنجع طريق لقطع دابر الشكائين البكائين، لذا فإني أوصي نفسي وإياكم أن تزيد المتشكي إيجابية كلما زادك سوداوية، وأن تغمره تفاؤلا كلما غمرك هلعا ومخاوف، وألا تجد في نفسك حرجا من دحض حجته بحجة أقوى، بل إني أدعوك حين يزداد أذاه النفسي عليك وعلى غيرك إلى أن تواجهه بتضجرك من سوء صنيعه، وأن تطلب منه صراحة أن يدعك وشأنك، فلا مكان للنائحين في مواكب الفرحين!

ولعلنا نجعل من الإيجابية الحقيقية أسلوب حياة في تربيتنا لأطفالنا وتعاملنا مع أقاربنا وتعاطينا مع الأحداث حولنا، وأن نبشر ولا ننفر ونيسر ولا نعسر، فكم من أمر نُساء به صباحا وتأتينا المسرة في العشيّ، ولنتذكر أن الله يداول الأيام بين الناس حتى لا تكون أعمارنا سعادة دائمة فنمل، ولا تعاسة مقيمة فنضل!

بقي لي أن أختم بأن الخط الفاصل بين السلبية والنقد البناء دقيق جدا، فلا ننظر إلى كل نقد هادف مصحوب بالأدلة والقرائن على أنه سلبية مقيتة، لأن هذا التصرف سيورث من التأخر والتراجع وغياب التطوير للبيت والعمل والمجتمع الشيء الكثير، ولتكن نظرتنا للأمور بعين الجراح الماهر الذي يضع كل نسيج في مكانه، حينها ستكون الحياة الطيبة المتوازنة المثيرة والمثرية، فنأنس ونؤنِس ونستمتع بالمتاح لنا - وإن قل - فتلك طبيعة الحياة، وذلك قدر الإنسان.

dralaaraj@