محمد الأحمدي

فرص المملكة العربية السعودية ومساهماتها في مجموعة العشرين

الجمعة - 20 نوفمبر 2020

Fri - 20 Nov 2020

نشأت قمة مجموعة العشرين في أعقاب الأزمة المالية الآسيوية، التي بدأت في تايلاند بانهيار البات التايلاندي Bhat في الثاني من نوفمبر 1997م، وأدى ذلك إلى فك الارتباط بالدولار الأمريكي، وتحمل الدولة ديونا خارجية باهظة. ولم يقتصر الأمر على تايلند، بل سرعان ما انتشرت الأزمة للدول الآسيوية ككوريا الجنوبية واليابان وإندونيسيا وماليزيا والفلبين والصين وتايوان وبقية دول جنوب شرق آسيا، وهذا ساهم في ارتفاع القروض لأرقام تجاوزت 180% بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، وانخفاض البورصات المالية، وتضرر نمو اقتصاديات الدول المتضررة، فالفلبين على سبيل المثال شهدت ركودا اقتصاديا يقارب الصفر.

وفي ظل هذه العاصفة المالية، نشأت الحاجة لمشاركة الدول الناشئة في المناقشات المالية في النظام المالي العالمي على صعيد وزراء المالية وممثلي البنوك المركزية في الدول السبع الرئيسية: الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان، التي تأسست عام 1975 ثم بانضمام كندا أصبح يطلق عليها مجموعة النسبة G7، وتلا ذلك انضمام روسيا عام 1997 للمجموعة لتصبح الدول الثمان G8 قبل تعليق عضويتها على خلفية أحداث جزيرة القرم 2014م. وفي عام 1999م دعت الحاجة إلى تقوية التعاون في استقرار الاقتصاد العالمي، واستمرار النمو الاقتصادي واستدامته في جميع الدول، مما دعا إلى تشكيل مجموعة العشرين بأعضائها الحاليين التسعة عشر زائد الاتحاد الأوروبي.

وقد استمر الحال حتى عصفت بالعالم أزمة مالية جديدة غيرت معالم مجموعة العشرين الاقتصادية، وهي أزمة الانهيار أسواق المالي الأمريكية 2008م، التي رفعت مستوى تمثيل مجموعة العشرين إلى مستوى رؤساء الدول المتقدمة والأسواق الناشئة الرئيسة، كمستوى أرفع من مستوى وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في قمة العشرين الثالثة المنعقدة بيتسبرغ عام 2009، لتصبح منذ ذلك الحين المنتدى الاقتصادي الرئيسي للتعاون الاقتصادي الدولي الذي يعقد من 2011 سنويا في كل دولة من دول المجموعة.

وقد أشار البنك الدولي في تقريره 2009 الذي يعقب انهيار الائتمان المالي الأمريكي بأن الاقتصاد العالمي تباطأ نموه بنسبة 3.2%، وانخفضت التدفقات المالية بقيمة 600 مليار دولار من 1.1 ترليون دولار في 2007، وتراجعت التجارة العالمية بنسبة 14.4% في 2009، وساهمت في رفع مستوى البطالة العالمية إلى 210 ملايين شخص، وتجميد البنوك والصناديق الاستثمارية كبنك بي إن بي الفرنسي بسبب قلة السيولة المالية. وبدأ تتشكل فرص جديدة بالاستحواذ على الحصص المالية ونحوها رغم قساوة الأزمة. وهذا دفع قادة المجموعة لمعالجة الأزمة في اجتماع واشنطن بتخفيض الفائدة لتتدنى إلى مستوى بين الصفر و0.25% لدفع الأسواق لاستعادة الثقة. وأعلنت الولايات المتحدة خطة إنقاذ بقيمة 787 مليار دولار، والصين 585 مليار دولار، واقتراح إصلاح نظام المصرفيه العالمية كالبنك الدولي وزيادة موارده المالية.

وتأتي هذه القمة في 2020م في ظل أزمة عالمية جديدة اجتاحت العالم من شرقه إلى غربه، وتأثرت جراءها أسواق المال العالمية، وشلت الحركة الطبيعية على كل الأصعدة في بداية الربعين الأول والثاني من عام 2020، بانخفاض الاقتصاد العالمي بنسبة تصل إلى 2%، وانخفاض الناتج المحلي الأمريكي بنسبة 3.3 %، ومنطقة اليورو بنسبة 4.2 %، والمملكة المتحدة بنسبة 3.9%، وقد انكمش الناتج المحلي الإجمالي الصيني بنسبة 6.8% من نموه السنوي، حسب تقرير البنك المركزي الأوروبي كأول مرة منذ عقود، وانخفض الإنتاج الصناعي بنسبة 9.3% وتدنت نسبة مبيعات التجزئة إلى 19% من استثماراتها، وتدني مؤشر التصنيع الصيني في فبراير الماضي لما دون 28 نقطة، وسرعان ما بدأ يتعافى بوتيرة سريعة ليصل إلى ارتفاع في الناتج المحلي بنسبة 3.2%، وتراجع اقتصاديات الديمقراطيات السبع الذي يشكل 50% من الاقتصاد العالمي.

وبقراءة للواقع التطوري لقمة العشرين التي تتخذ قرارات تتناسب الأحداث العالمية التي تؤثر على استقرار الاقتصاد العالمي واستمرارية النمو المالي لدول العالم فإن هذه القمة التي تقودها المملكة العربية السعودية التي تشكل قوة اقتصادية عالمية تقدر نسبتها 1.2% من اقتصاد دول العشرين البالغ 96 ترليون دولار أمريكي، الذي يمثل 80% من اقتصاد العالم، وبحصة تقارب 75% من حجم التجارة العالمية وبمجموع ثلثي سكان الكرة الأرضية؛ تأتي في ظل للجائحة العالمية كوفيد 19 التي يتوقع البنك الدولي بأن يرتفع معدل خط الفقر ليزيد على 100 مليون شخص يعيش على الحد الأدنى بواقع 1.9 دولار يوميا، وأن القارة الأفريقية والهند قد تشهدان ارتفاعا في نسب الفقر العالمي.

وقد ساهمت المملكة في استحداث مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الذي ساهم في تخفيف المعاناة في مجالات كثيرة كالصحة والأمن الغذائي، والإيواء والمواد غير الغذائية، والمياه والإصحاح البيئي، والتعليم، والحماية، والخدمات اللوجستية، والأعمال الخيرية وحالات الطوارئ بما يزيد على 1403 مشاريع بتكلفة تقدر بـ 4.79 مليارات دولار، شملت معظم القارات كأمريكا الشمالية وأفريقيا وآسيا، و54 دولة مستفيدة كسوريا ولبنان وأفغانستان وباكستان والمالديف واليمن، وفلسطين والأردن وبنجلاديش والعراق ومينمار وسيريلانكا وإندونيسيا وطاجيكستان والفلبين من قارة آسيا. وبمساعدات للزائرين السوريين واليمنيين ولاجئي الروهينغا قدرت بمبلغ 13.7 مليار دولار، متوزعة على الصحة والتعليم والخدمات الأخرى مثل الإقامة والعمل.

إن المملكة العربية السعودية دولة ذات تأثير فاعل في مرتكزات لقاءات قمة العشرين المتعلقة بالنمو الاقتصاد العالمي، والتجارة الدولية وتنظيم أسواق المال، ورفع مستوى النزاهة والشفافية في التعاملات المالية، وخلق فرص التوظيف، والتغيرات المناخية ونشر التقنية ومحاربة التطرف والإرهاب وتطوير سياسات التنمية. وبالمجمل فإنها تقع تحت الأهداف الثلاثة التي تضمنتها القمة: تمكين الناس، وحماية كوكب الأرض، وتشكيل آفاق جديدة.

تأتي قمة العشرين في الرياض والاقتصاد السعودي يعد أكبر سوق اقتصادي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما يقارب 25% من الناتج المحلي العربي، والذي يسجل نموا مستمرا يصل إلى 3.5% سنويا كأسرع اقتصاد نام على مستوى العالم، وأكثر عملة عالمية استقرارا.

تأتي قمة العشرين في الرياض متزامنة مع أزمة عالمية ساهمت في هبوط أسعار النفط، ولكن اقتصاد المملكة أثبت قوته ومتانته، حيث حافظ على معدلاته التي حققها في مؤشرات متعددة، فقد أبقى معدلات البطالة في متوسط الدول الأعضاء في قمة العشرين بنسبة 9%، وحافظت المملكة على تصنيفها الائتماني، وبقيت من أكبر خمس احتياطيات من دول قمة العشرين بما يبلغ 453.4 مليار دولار. وارتفعت الاستثمارات الداخلة للمملكة بنسبة 9.9%، وحقق صندوق الاستثمارات السعودي المرتبة الثامنة بين الصناديق السيادية بأصول تزيد على 390 مليار دولار، وحقق اقتصاد المملكة فائضا ماليا يقدر 73.7 مليار ريال خلال النصف الأول من العام الحالي رغم الجائحة. وقد تحسن نمو الاقتصاد السعودي بنسبة 7% من بين 9 دول من اقتصاديات العالم.

وعلى صعيد معالجة البطالة في المملكة، فإن فرص خفضها عالية جدا، حين النظر في كمية المشاريع المستهدفة في رؤية المملكة 2030، وبرامج التحول الرقمي، وفي ظل وتيرة النمو المتسارع للاقتصاد السعودي غير النفطي، وكذلك من حيث مقارنتها بأعداد السكان في دول المجموعة.

تأتي قمة العشرين ومجتمع المملكة مجتمع شاب طموح، مما يشكل قوة حيوية واعدة للمستقبل، فقد احتلت الفئات العمرية الشابة في سكان المملكة نسبة 36.7% بين دول G20 تليها المكسيك بنسبة 33.3%، فالأرجنتين 31.2%، وأستراليا 28% ثم كندا 26.3%، فاليابان الذي رأس المجموعة في الدورة السابقة كأكبر بلد في مستوى الشيخوخة، حيث يقدر أن يصل 28% من سكانه إلى سن التقاعد 65 سنة.

وبالنظر في توزع نسبة الشباب بين مناطق المملكة الثلاث عشرة، يتضح أن نسب الفئات العمرية من 15 -34 سنة تأتي متقاربة جدا ما بين أعلاها بنسبة 38.4% في المنطقة الشرقية، وأدناها في المدينة المنورة 35.2%.

ومما يدعو للتفاؤل بين أوساط الشباب عنوان هذه القمة «اغتنام الفرص في القرن الواحد والعشرين للجميع»، والهدف الأول المنبثق منه هو تمكين الناس. فالقوة البشرية الشابة لسكان المملكة في الفئة المذكورة أعلاه تشكل 65.1% غير متزوجين، 33.7% متزوجين، بإجمالي 98.8% من القوة الشابة في المملكة. وهذه النسبة المرتفعة من القوة العاملة الساعية إلى الاستقرار الوظيفي، والعمل الجاد الذي يهدف لبناء مستقبل أسري مستقر سيجعلها تساهم في مشاريع المملكة التي تحقق متطلعات الروية 2030، مما يسهم في مرتكزات قمة العشرين الثلاثة.

وعند الأخذ بعين الاعتبار الفئات العمرية من 20-45 سنة القادرة على العمل والعطاء على أقل تقدير يتضح بأن الأرقام دافعة لأن تدعم طموحات الدولة في استحداث المشاريع النوعية، حيث يبلغ مجموع السكان في هذه الفئة من السعوديين في منتصف عام 2018 بما يقدر بـ 8.66 ملايين شاب وفتاة، يستخدم التقنية منهم ما يزيد على 97.92%، وتنخفض نسبة الأمية فيما بينهم لتصل لأدنى من 0.5% بفضل استثمار المملكة في التعليم طيلة العقود الماضية. وتمثل هذه القوة البشرية بأطيافها المختلفة كذوي الاحتياجات الخاصة التي بلغت نسبتهم 3.5%، أو ذوي الأمراض المزمنة التي تشكل منهم 5.44% فقط، متصدرا تلك المراض المزمنة السكري بـ 1.14%.

الطاقة المتجددة عصر حيوي على مدار قمم مجموعة العشرين، فقد أشار تقرير تحول دول العشرين لاقتصاد منخفض من الكربون المعنون بمن التلوث إلى النقاء Brown to Green 2019 إلى أن 82 % من الطاقة المستخدمة تنتج من طاقة أحفورية تسبب انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في المجموعة G20. وقد بدأت بعض دول G20 كالهند التي تعتبر من أكثر دول القمة استثمارا في الطاقة المتجددة، ثم تأتي فرنسا والمملكة المتحدة والبرازيل، ضمن الدول التي تخطط لمنع الاعتماد على الوقود الأحفوري في السيارات على أقل تقدير في 2035. فعلى سبيل المثال أعلنت بريطانيا أنها بحلول عام 2035 قد توقف بيع السيارات التي تعتمد على الوقود الأحفوري، ولكن تأتي البرازيل كأكبر دولة في أمريكا الجنوبية وخامس أكبر دولة في العالم في صدارة الدول المنتجة للطاقة من المصادر المتجددة كطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية والطاقة الشمسية نسبة 82.5%.

وفي المجال نفسه سارعت الصين باستغلال الفرصة في رفع عدد السيارات الكهربائية لتصل إلى 2.85 مليون سيارة كهربائية في 2019 مقارنة بـ 97 مليون سيارة في قارة أوروبا، و0.88 مليون في الولايات المتحدة حسب وكالة الطاقة الدولية، وما زال يشهد سوق الاستثمار الصيني، سواء في صناعة السيارات الكهربائية أو الطاقة الكهربائية نموا لدرجة دفعت شركة تسلا لفتح مقر لها بالصين. وتنتج الصين اليوم ما نسبته 82% من مزودات الشحن الكهربائي بالعالم، وهذا يتناسب مع حجم تأثير الصين في انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون الذي تعد أولى دول القمة في نسبة الانبعاثات بنسبة 30%، تليها الولايات المتحدة بنسبة 14%، ثم الاتحاد الأوروبي بنسبة 10%، ثم الهند بنسبة 7%، بينما تشكل كل دول الأعضاء ما نسبته 81% من الانبعاثات في 2015.

التقرير نفسه يشير إشارة ضمنية لاستبدال وسائل النقل العامة والخاصة المعتمدة على الوقود الأحفوري، وإلى استحداث وسائل نقل معتمدة على القيادة الذاتية والطاقة النظيفة، ليتم التحكم في حجم الانبعاثات السامة، وهذا ينذر بجيل من الذكاء الاصطناعي في النقل والشحن العالمي الذي يشهد وتيرة متسارعة نحو الجيل الخامس والسادس الفائق السرعة الذي يمكن التقنية من القيام بمهام مشابهة.

وفي سياق متصل تحقق المملكة اليوم رقما قياسيا خلال أقل من 4 سنوات لتوليد طاقة الرياح وبأقل سعر تكلفة في مشروع دومة الجندل بسعة 400 ميجاواط، والمتوقع تشغيله بحلول 2022، موفرا طاقة نظيفة تكفي لتزويد ما يزيد على 70,000 منزل بالطاقة الكهربائية، ما يكفي لمنطقة الرياض على سبيل المثال التي فيها نحو 809437 منزلا، مستهدفة الوصول إلى 50% من إنتاج الطاقة الكهربائية عبر الطاقة المتجددة في 2030.

ويضمن البرنامج الوطني للطاقة المتجددة إطلاق أربعة مشاريع لإنتاج الطاقة الشمسية، بقدرة إجمالية إنتاجية تقدر 1200 ميجاواط في وادي الدواسر، والرس، ومشروع سعد، ويأتي مشروع الجوف سكاكا بتكلفة تقدر 300 مليون دولار لينتج نحو 300 ميجاواط من الطاقة المتجددة في 2030 ليخفض ما يقارب 500 ألف طن من الانبعاثات السنوية.

وفي السياق نفسه، سبق أن أطلقت المملكة 12 مشروعا تستهدف الطاقة المتجددة بتكلفة تقدر بـ 4 مليارات دولار لتقدم خطة طويلة المدى في تقليل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وتنويع مصادر الاستثمارات في تصدير الطاقة المتجددة للعالم حين احتياجها. وهذه المشاريع كفيلة بوضع المملكة في قائمة المنتجين للطاقة البديلة على مستوى الصعيد العالمي حين اكتمالها.

ثم ما فتئت المملكة حتى أعلنت مشروعها الضخم مدينة نيوم، التي تعد أول مدينة عالمية تؤسس على تطلعات المستقبل الرقمية، ومعتمدة على الذكاء الاصطناعي، وتستمد طاقتها من الطاقة المتجددة بنسبة 100%، باستثمار يفوق النصف ترليون دولار، وبمساحة تزيد على 26,500 كلم مربع، التي تعادل 33 ضعفا من مساحة مدينة نيويورك الأمريكية، مدينة المال والأعمال، ومركز التجارة الدولي. فاسمها يشير إلى المستقبل الجديد جامعا بين اللغتين الإغريقية والعربية لتشكل هذه المدينة نقطة وصل للعالم. وبهذا فإن المملكة تحقق هدف مدينة من مدن العالم تبلغ نسبة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون فيها صفرا.

إذن قمة مجموعة العشرين التي تقودها المملكة العربية السعودية ستنتج اتفاقيات بين دول المجموعة، لما للمملكة من علاقات وثيقة تربطها بدول المجموعة من الصين شرقا إلى الولايات المتحدة غربا مرورا بالقارة الأوروبية، وهذا الدور الدولي البارز للمملكة سيثمر هندسة واضحة لمستقبل العالم في ضوء التطورات الرقمية الحديثة للقرن 21، بما ينعكس على رفاهيته المجتمعات الدولية، وتحسين مستوى المعيشة على هذا الكوكب.

ماذا لو أتت قمة مجموعة العشرين ومبادرة الاتحاد الخليجي التي دعا لها الملك عبدالله - رحمه الله - في ختام قمة مجلس التعاون الخليجي عام 2011، مكتملة! ربما يصبح الاتحاد الخليجي قوة كالاتحاد الأوروبي في عضوية مجموعة العشرين.

@alahmadim2010