أحمد صالح حلبي

المواقع الأثرية بمكة تتحول لأملاك خاصة!

الخميس - 05 نوفمبر 2020

Thu - 05 Nov 2020

قبل أيام مضت وتحديدا يوم السبت 24 أكتوبر 2020، نشرت هذه الصحيفة خبرا تحت عنوان «شركة مقاولات تطمس مجرى عين زبيدة التاريخي»، وتضمن الخبر قيام إحدى شركات المقاولات بإزالة مجرى عين زبيدة بالشرائع «حيث سوته بالأرض، ولم يتبق منه أي أثر»!

وقد أثار هذا العمل المؤرخين والمهتمين بالتراث الإسلامي، وطالب الدكتور فواز الدهاس مدير مركز تاريخ مكة «الجهات الرسمية بمخاطبة مركز تاريخ مكة في حال تنفيذ أي مشروع يذكر، باعتبار المركز وعاء وثائقيا لتاريخ مكة المكرمة، ورافدا معلوماتيا من روافد دارة الملك عبدالعزيز للمحافظة على تاريخ مكة وآثارها».

وللحقيقة فإن مجرى عين زبيدة بالشرائع لم يكن الأول الذي يتعرض لهذا العمل، ولن يكون الأخير أيضا، فهناك عدد من المواقع الأثرية تعرضت إما للإزالة، أو الحجز بدعوى الملكية الخاصة، ومنها بئر الحديبية الذي أصبح بين عشية وضحاها ملكا خاصا داخل سور إحدى الشركات، وفقا لما نشرته هذه الصحيفة في عددها الصادر يوم الأربعاء 15 يناير 2020، تحت عنوان «شركة مقاولات تضم بئر الحديبية إلى ملكيتها الخاصة».

وأوضح الباحث في التاريخ النبوي الدكتور سمير برقة لجريدة «مكة» حينها أن «السور الذي أقامته الشركة حول البئر حجب رؤية البئر عن أعين الناظرين والمارين عبر الطريق السريع المتجه إلى مكة المكرمة، حيث أضحت البئر مغيبة عن المشهد العام، وكأنها غير موجودة تماما، لافتا إلى أن الشركة وضعت حراسات على بوابة السور لمنع أي زائر أو معتمر أو حتى مهتم بالتاريخ من الوصول إليها أو الوقوف عليها».

وحادثة كهذه وغيرها تقودنا للسؤال عن الفقرة (1) من المادة العاشرة من نظام الآثار والمتاحف والتراث العمراني، الصادر بقرار مجلس الوزراء رقم (348) بتاريخ 25/8/1435هـ، والمصادق عليه بالمرسوم ملكي رقم (م/3) بتاريخ 9/1/1436هــ، التي أوضحت أنه «يمنع تطبيق قرارات المنح والتوزيع على مواقع الآثار والتراث العمراني المتفق عليها مع وزارة الشؤون البلدية والقروية، لماذا غاب تفعيلها العملي؟ وأين هو مفهوم التعديات الذي عرفته وزارة الشؤون البلدية والقروية بأنه «الاستحواذ على الأراضي الحكومية بغير حق أو سند، وذلك عن ادعاء بعض الأشخاص ملكية أرض بحجة وضع اليد»، لماذا لا يتم تطبيقه؟

ورغم أنه صدرت في نوفمبر 2019 «توجيهات للجهات الحكومية تقضي بإيقاف قبول أي طلبات إثبات تملك أراض استنادا إلى الإحياء أو وضع اليد أو الوثائق العادية، وحددت ضوابط المحافظة على الأراضي الحكومية ومنع التعدي عليها»، إلا أننا لم نر تطبيقا عمليا لها، وأمامنا موقعان غيبا من الآثار وتحولا لملكية خاصة، ولا أعرف ما إذا كانت هناك مواقع أخرى غيبت أيضا.

وما نخشاه أن يأتي اليوم الذي نجد فيه من يدعي ملكيته لجبل النور، فيضع شبكا حديدا يمنع الاقتراب منه، ويأتي آخر مدعيا أن جبل ثور من أملاكه الخاصة، ويقول ثالث إن جده هو من يمتلك بئر طوى، وحينها سنتعرض لضياع مواقعنا الأثرية، بسبب سطو البعض عليها وتحويلها لأملاكهم الخاصة، ولن يكون لنا سوى التوقف عن أي قول.

لكن السؤال الذي يبقى مطروحا: ما هي الجهة الحكومية التي تحمي المواقع الأثرية؟ هل وزارة الثقافة هي المسؤولة عن المواقع الثقافية والأثرية؟ وإن كانت كذلك فأين هي عن هذين الموقعين؟ وما هي خطتها لحمايتهما؟

[email protected]