ياسر عمر سندي

هَمُّ التغير ووهْمُ التغيير

الأربعاء - 28 أكتوبر 2020

Wed - 28 Oct 2020

التغير والتغيير مفهومان يتصارع معهما الإنسان منذ قديم الزمان، وهذا الصراع ناتج عن النفس البشرية، التي تتوجس وتتحسس ويصيبها الضجر والكدر، وكلما يطرأ عليها من طارئ تبدلت وتحولت، ليس بالضرورة أن يكون المستجد من الأمر غير مرغوب فيه، ليصبح الإنسان في حيرة وتوتر وقلق، بل حتى إن كان الأمر مرغوبا فيه، يلحق بالنفس ما يلحقها من استهلاك للأفكار واستدعاء للذكريات من مستودع الماضي، والتجارب الخاصة وقصص الآخرين.

الإنسان بطبعه متردد لكن بنسب متفاوته، قال تعالى «إن الإنسان خلق هلوعا، إذا مسه الشر جزوعا، وإذا مسه الخير منوعا»، هذه الآيات الثلاث من سورة المعارج أوضح الخالق العليم من خلالها الدواخل النفسية اللاشعورية، والشخصية في تركيبتها، وهي ترتكز على جانبين، إما جلب المنفعة أو دفع المضرة، وبالتالي فهي تتبنى أساليب دفاعية، يلجأ لها الإنسان كلما تعرضت نفسيته لخلل ما، يعكر من صفوها ويهدد استقرارها أو يقودها لوضع مستجد لم تألفه مسبقا، والتغير والتغيير طارئان يرهقان ويجهدان الإنسان على الصعيدين السلبي والإيجابي.

الأمر ملحوق، وملصوق في المخلوق لا محالة، وهذا من حكمة الله عز وجل، ليجعل الإنسان في حالة سجال وجدال مع نفسه، يستدرك ويسترجع، بإعمال آلية التأمل والتفكر والتدبر بصفة مستمرة، وعليه أن يقوم بالطرح والتوقع للتساؤلات والاحتمالات والفرضيات، لمساعدته على التهدئة من وطأة الاضطراب النفسي في مواجهة هم التغير ووهم التغيير.

التغير في عمومه أمر قدري حتمي سريع، وقد يكون بطيئا وإلزاميا، وربما يكون عشوائيا، له عدة أنواع: جسدي وفكري ومجتمعي وعام مادي ومعنوي، لا يتدخل فيه الإنسان ويأتي بشكله المفاجئ، لتطويعه على المسايرة حتى يأخذ التغير حقه ومدته وكفايته، ليستمر بمراحل عدة، تبدأ بمرحلة التحدي بالصراعات لتقبل الواقع من عدمه، ليدخل مرحلته الثانية بالانتقال للسجال بالأخذ والرد الفكري، والنفسي والمجتمعي، ليتواءم مع المرحلة الثالثة بالتحول والتقبل التدريجي لفكرة التغير الحاصل، وفي الأخير يجد الإنسان نفسه بمرحلة التطبيق، وهي الاقتناع بالفكرة والانتفاع بمضمونها.

والتغيير أيضا أرى أنه أمر تقديري مخطط له سلفا، ومعد لتحقيق أهداف قابلة للتنفيذ، وهذا التغيير يختلف عن التغير في أمر جوهري، وهو تدخل الإنسان في معظم قراراته وصياغة بنوده، فالتغيير أسلوب وسلوك بشري ينظر إلى المصلحة العامة والخاصة، بحسب النشاط والحاجة والموقف.

وأرى أن التغير يتسبب في التغيير، أي إن الأساس في تحرك الثاني هو شرارة الأول، فمثلا قد يطرأ على الإنسان حادث لا قدر الله ويفقد أحد أطرافه، فالنتيجة تغير في الحال عن سابقه نفسيا واجتماعيا، والأمر حينئذ يتطلب منه التغيير ليتأقلم ويتواءم ويساير هذا التغير الحاصل، أو أن يحدث للزوجين تغير قدري في إنجاب طفل، والرد البشري لمقابلة ذلك هو إحداث التغيير بالتقدير، لإعادة توزيع الدخل والميزانية العامة للأسرة، بما يلبي مطالب هذا المولود الجديد، أو أن أحدا تغير واقعه الوظيفي، وانتقل إلى وظيفة جديدة وبيئة عمل مغايرة في موقعها ونشاطاتها وطبيعتها، فحالة التغير التي طرأت على الموظف تضطره إلى التفكير المستدام وربما القلق العام، ليتقبل التغيير لواقعه في الوظيفة الجديدة.

إدارة التغيير تستلزم عددا من الآليات والاستراتيجيات، تبدأ بالتفكير الإيجابي، ومن ثم توقع الخير للمستقبل، واستشرافه بالمأمول، والاستفادة من الخبرات، والاستماع دوما للإيجابيين، والاستمتاع بقصص الناجحين في سلوكياتهم وعاداتهم وسيرهم الذاتية، لتخفيف درجة المقاومة والرفض الشعوري لما يخالج النفس من صور ذهنية لا شعورية تجعل الإنسان مترددا في اتخاذ قراراته، فالتغيير بحد ذاته تجديد وتحديث على جميع النواحي، إذا ما أخذ بالشكل الإيجابي.

الشخصية يطالها التيه وتصاب بالاضطراب بسبب عدم تقبل التغير والتغيير على واقعها، وهذا مقبول في بادئ الأمر إذا ما كان في حده الطبيعي، أما الزيادة في القلق والتوتر فوق المستوى العادي، فتعمل على فقدان السيطرة على الدواخل النفسية، في الأخذ والرد السلبي، واستدعاء المواقف السوداوية والأفكار السلبية.

الحل الوحيد من وجهة نظري الخاصة هو النظر إلى ذلك التغير والتغيير بعين الاطمئنان، والاستبشار بالحياة، فلولا هذان المعياران من التغير القدري والتغيير التقديري، اللذان يعدان سنة الخالق في خلقه، ما وصلنا إلى هذه المعرفة، من المخترعات والتطورات في إعمار الحجر وتنمية البشر.

@Yos123Omar