آلاء لبني

استهلاك مسموم

السبت - 24 أكتوبر 2020

Sat - 24 Oct 2020

أضواء وحملات إعلانية وكوكبة من الناس تتحدث عن المزايا وحفل تدشين كل هذا ليس لاختراع ما، بل إصدار جديد لجهاز محمول كإصدار ايفون وغيره! ببعض المميزات الجديدة وفي الغالب لا نستخدمها جميعا.

يحضر علم النفس بقوة في أشكال التسويق والاستهلاك التي تلعب بذكاء على وتر تعزيز الرغبة بالشراء، واستخدام قوانين كقانون «انحياز الانتباه»، الشيء الذي تراه كثيرا يؤثر على خياراتك، وقانون الانسجام الذي يرتكز على ميل بعض الناس إلى اتخاذ قرارات الشراء إذا وجدوا عددا كبيرا من الناس اتخذوا القرار نفسه!

كم مرة اشتريت كتابا أو منتجا لأنه الأكثر مبيعا؟!

فكرة «الأعداد محدودة والكمية تنفد» قائمة على تأثير الندرة التي تولد الخوف من تفويت الفرصة، مما يولد القيمة. مع أنه في الحقيقة الأعداد في تزايد مستمر مع ثقافة شراء الإصدار الجديد! وشراء جميع الفئات العمرية، حتى الأطفال ذوي الخمس سنوات! كل الشركات تسعى لزيادة أرباحها، علما أن هذا النعيم لا تحظى به المناطق النائية في العالم وإنما تعاني من سمومه فحسب، فالهواتف المحمولة وشبكاتها تستهلك طاقة مكلفة من الناحية المالية والبيئية.

في الوقت نفسه التطور في مجال التكنولوجيا كما له جانب مشرق له مشاكله وآثاره المدمرة على البيئة وعلى الإنسان، خاصة في المناطق الأشد فقرا في العالم. والدول العربية مع الأسف تعامل النفايات الالكترونية كما يتم التعامل مع النفايات الصلبة رغم مخاطرها!

الأرض مجموعة من العلاقات المترابطة المتشابكة، حتى القرارات اليومية التي نتخذها لها تأثيرات هائلة فوق ما نتخيل! حتى قرارك شراء جوال جديد في حين تزداد كمية الأجهزة في القمامة!

كم تمتلك من أجهزة كهربائية وجوالات تود التخلص منها سنويا، كم عدد الطابعات التي لا يجري إصلاحها أو حبرها غير موجود بالسوق؟

السياسة الإنتاجية العالمية قائمة على الشراء والتغيير دون الحاجة الفعلية لذلك، دعوة للشراء والاستهلاك ومراكمة الأجهزة الذكية حالما تنزل أخرى جديدة، أو عن طريق تقليل العمر الافتراضي للأجهزة الذي انخفض بشكل كبير بحيث تصبح تكلفة إصلاحها عالية.

عملية الإنتاج قائمة على نمط الاقتصاد الخطي، أي لا يوجد اهتمام للمنتجات بعيد انتهاء عمرها، بما يسمى الاقتصاد الدائري.

السؤال: أين يتخلص العالم من النفايات الالكترونية والأجهزة الكهربائية المعطلة أو ما نزهد فيه منها؟

يزداد خطر تلك النفايات، خاصة أن بعض هذه الأجهزة تنتج مواد مسرطنة ولا تزال طريقة التخلص منها غير مقننة، فضلا عن تأثيراتها في اتجاهات متعددة على التنمية المستدامة.

لتوضيح ذلك، الأجهزة الكترونية بكل أنواعها تحتوي على مواد قيمة ستصبح نادرة الوجود، وبها عديد من المواد شديدة الخطورة، فتنقل النفايات الالكترونية للمناطق الفقيرة، للتخلص من المواد الخطرة لأن الحلول في البلدان المتقدمة أكثر كلفة!

البعض قد يقول: الحل في إعادة التدوير. هذه العملية معقدة ونسبة التدوير نحو 11%، فتقنيات إعادة التدوير محدودة أو مكلفة جدا، خاصة ما يتعلق منها بصناعة الهواتف الذكية، أجهزة ومكونات صغيرة تركز على تقليل التكلفة وتصميم لا يفكر في عملية استخراج المواد القيمة.

الحل ينطلق من إعادة التفكير في طريقة التصنيع وتصميم الالكترونيات والبطاريات بتكنولوجيا جديدة.

ومن هنا ظهرت أهمية اتفاقية بازل التي تخص المواد الخطرة وانتقالها عبر الحدود، ومساعدة الدول النامية لحماية نفسها من إغراقها بالنفايات الخطرة من قبل الدول المتقدمة، وذلك إثر ارتفاع تكلفة معالجة النفايات الخطرة فيها.

مع هذا لا يعني أن نهر تدفق السموم مقطوع، بل مستمر، إما بطرق مباشرة أو عن طريق التبرع بأجهزة قديمة صالحة، لتفاجأ أن 80% منها معطل! شيء مخز، لكنه يحفظ بيئة الدول ذات القوانين الصارمة بيئيا! ويدمر مناطق أخرى.

تظل أفريقيا والدول الفقيرة في العالم تستقبل النفايات والأجهزة المعطلة من الدول المتقدمة في مكبات غير رسمية! فتصلح بعض الأجهزة لتبيعها. وأخرى يجري تفكيكها واستخراج بعض العناصر القيمة كالبلاستيك والحديد والألمنيوم والنحاس، ولمحاولة عزل بعض المواد كاستعادة الذهب الموجود في اللوائح المطبوعة، تنقع الدوائر الالكترونية في الحمض، فينتج عنه أبخرة وسموم.

وبقية المواد تحرق في المساحات المفتوحة فتصدر انبعاثات سامة من الرصاص والكاديوم والزرنيخ والزئبق، فتتغلغل في النظام البيئي والتربة والمياه، وتضر أولا الأطفال الذين يعملون في مكبات النفايات!

علماء السموم يؤكدون العلاقة السببية بين المعادن الثقيلة والمشاكل الصحية، وخطر التعرض لمستويات عالية من السموم يلاحق سكان تلك المناطق كخطر السرطان والتلف العصبي وغيرهما.

ختاما، إدمان الشراء والاستهلاك ونمط الحياة الذي تدعوك إليه الشركات وبعض رواد وسائل التواصل يخالف قوله تعالى «ولا تسرِفوا إِنه لا يحب المسرِفين».

الحياة أفضل بامتلاك أقل، والأرض أكثر استدامة والإنسان أكثر صحة.

@AlaLabani_1