فهد عبدالله

العدالة الجزئية

الأربعاء - 14 أكتوبر 2020

Wed - 14 Oct 2020

في أحد المواقف الطريفة لأحد الدكاترة الأفاضل في الدراسة الجامعية، الذي نكن له كل التقدير والمحبة لما تعلمنا منه ونهلنا على يديه كثيرا من العلم والأدب، أنه في أحد الاختبارات السريعة صادف أنه خصم نقطتين على أحد الطلبة في أحد الأسئلة التي أخطأ فيها، بينما خصم نقطة واحدة على طالب آخر مع أنهما وقعا في الخطأ نفسه، وبعد مراجعة الدكتور من قبل الطالب صاحب النقطتين جبر ذلك الخطأ وأصبح نقطة واحده. الدكتور الفاضل علق على الحادثة بأنه خطأ غير مقصود وأن «الطالب صاحب النقطة لاحظت اهتمامه في أدائه والتزامه ومشاركته، ولعلي اندفعت بطريقة غير مقصودة بأن يكون الخصم من النقاط نقطة واحدة».

هذه القصة القصيرة واللطيفة تحدثنا كيف أن المشاعر واتخاذ المواقف في كثير من الأحيان لا تنفصل، وأنه مهما تعالت أصوات النداءات الداخلية بالعدل المطلق تجاه معاملاتنا تجاه الآخرين أو المواقف المختلفة ستظل قدرتنا محدودة في هذا الجانب للبشرية التي نحن فيها ومنها، التي قد تسعى جاهدة للوصول للكمال لكنها لا تصل إليه، هي هكذا.

تبني مفهوم العدل الجزئي الذي هو حقيقة تتماهى مع الهوية الشخصية التي نحن فيها مهما اجتهدنا في توخي العدل، سيجعل التراجع والعدول عن الخطأ والاحتكام لما هو صحيح بغض النظر من أين أتت تلك الصحة في الأمور المحتكم إليها؛ طريقا ميسرا وسهلا لصاحبها، كما هو حال معلمنا الفاضل في القصة أعلاه. وأعتقد أن هذه خلاصة الخلاصات في عدالة النفس بأن حكمي تجاه الأمور والمواقف هي اجتهاد يقع في إحدى كفتي الميزان، وفي الكفة الأخرى الانفتاح غير المبرمج على قناعاتي الداخلية لكل ما يأتي من الخارج من أمور تصحيحية للإيمان بمبدأ العدل الجزئي الذي نحن عليه، وهذا في اعتقادي أحد أوجه الحكمة التي من أوتي شيئا منها فقد أوتي كثيرا من الحظ.

وفي القصة المأثورة عندما قال عمرو بن الأهتم قولا بليغا مادحا فيه الزبرقان بن بدر، وبعد خلاف بسيط بينهما قال فيه قولا بليغا في الذم، فقال (أما والله إني رضيت فقلت أحسن ما علمت، ثم غضبت فقلت أسوأ ما علمت)، وهذا هو الشاهد الذي نريده، وبأفصح عبارة أن المشاعر لا يمكن فصلها عن الرأي والأفعال، وهي إن لم يضبط جانبها بالاجتهاد في العدالة الجزئية قدر الاستطاعة ستذهب بالأفعال في طريقها أينما اتجهت، وهذا ليس ببعيد عن أدبيات الشافعي رحمه الله عندما بروز بيت من الشعر ومن عيون الحكمة المتوارثة: وعين الرضا عن كل عيب كليلة... ولكن عين السخط تبدي المساويا.

قد يكون في التروي والهدوء وزيادة الحصيلة العلمية والمراجعات التهذيبية للنفس، خاصة بعد المواقف المتسرعة غير العادلة؛ طريق للتدرب والتمرس على العدالة الجزئية، ومن المعلوم بالضرورة أن مثل هذه الصفة ينطبق عليها ما ينطبق على الصفات الأخرى، من أنها تتحسن وتتطور بالتراكم المعرفي الذي يغذيها، وكذلك التراكم السلوكي في المواقف المتعددة، ومجرد المعرفة بعيدا عن التطبيقات السلوكية تقلل من فعالية العدالة الجزئية ومجرد التطبيقات السلوكية بعيدا عن المعرفة قد تصيب مرة وتخطئ مرات.

@fahdabdullahz