طلال الشريف

تصنيف وطني للجامعات

الأربعاء - 07 أكتوبر 2020

Wed - 07 Oct 2020

لا يختلف الأكاديميون والمهتمون على أهمية تصنيف الجامعات، باعتباره أداة قيّمة لقياس مستوى الجودة وتحسين وتطوير العمليات الأكاديمية في بيئة عالمية تتسم بالتغير السريع والتنافسية، وأداة للمقارنة بين الجامعات على المستوى المحلي والدولي أيضا.

وتعني تنافسية الجامعات التميز في مجالات حيوية كالسمعة الأكاديمية، والنظرة الدولية، والانفتاح على المجتمعين المحلي والدولي، والبرامج الدراسية النوعية، وخصائص أعضاء هيئة التدريس، والإنتاج البحثي المكثف، ومستوى التأثير والاستشهادات العلمية، وجذب واستقطاب الطلاب، والحصول على الدعم والتمويل الكافي، وتوفر مناخ الحريات الأكاديمية، والتوظيف لخريجيها في جميع أنحاء العالم، والعلاقات والتعاون العالمي، والجوائز الدولية.

ونتائج تصنيفات الجامعات العالمية السنوية لجامعاتنا الوطنية لا تتناسب - بكل صراحة - مع ما وصل إليه تعليمنا العالي، من حيث التوسع الكمي في عدد الجامعات الحكومية والأهلية، وحجم الموازنات المالية المرصودة للجامعات سنويا، ومستوى التجهيزات المادية للجامعات كمنشآت وبنى تحتية وعلوية ومعامل ومرافق مساندة متنوعة وعالية المستوى، ومستوى أعضاء هيئة التدريس وخبراتهم المحلية والدولية، ومستوى الإنتاج المعرفي والبحثي، والأبعد من ذلك أن نتائج تلك التصنيفات لجامعاتنا لا تتناسب مع مكانة بلادنا السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية، ولا مع التحولات التي تعيشها بلادنا على الصعيدين الإقليمي والدولي.

وهنا وقفة على أسباب تخلف كثير من جامعاتنا عن تحقيق مستويات متقدمة، خاصة في بعض التصنيفات العالمية سهلة المعايير، وطرق النهوض بجامعاتنا في هذا المجال، لأن تطوير جامعاتنا وتجويد مخرجاتها العلمية والبحثية والمجتمعية من الأولويات الوطنية التي أكدت عليها رؤيتنا في 2030، ولأنها مؤسسات قيادية للريادة والإبداع العلمي ووسيلة لتقدم مجتمعنا نحو العالم الأول.

يكاد يكون السبب الأول ضعف دور هيئة تقويم التعليم والتدريب، بصفتها المعنية بعملية تقويم أداء الجامعات ومنحها الاعتماد الأكاديمي بشقيه المؤسسي والبرامجي، والسماح للجامعات بالحصول على الاعتماد البرامجي من بعض الهيئات الدولية المتخصصة، قبل حصولها على الاعتماد البرامجي المحلي، فالغريب أن كثيرا من جامعاتنا الوطنية حصلت على الاعتماد المؤسسي والبرامجي من الهيئة، ومع ذلك لم تحقق معظم تلك الجامعات مراكز متقدمة جدا في التصنيفات العالمية للجامعات، مما يكشف وجود خلل في عملية منح الاعتماد المؤسسي والبرامجي من قبل الهيئة.

قد يكون ذلك الخلل في ضعف معايير ومؤشرات الاعتماد المؤسسي والبرامجي، وقد يكون الخلل في إدارة عملية الحصول على الاعتماد الأكاديمي وتنفيذه في الجامعات من قبل الهيئة، وقد يكون الخلل في صورية وشكلية الاعتماد من خلال الاكتفاء بتوفر الوثائق والتقارير الورقية والالكترونية والمكاتبات الرسمية، والمجاملات والعلاقات أثناء زيارات فرق عمل التقويم، بعيدا عن تقويم الممارسات الفعلية على أرض الواقع، وقد يكون غير ذلك. وهو ما يستلزم إعادة هندسة عمليات الاعتماد الأكاديمي للجامعات التي تقوم بها الهيئة من خلال تطوير وتحديث المعايير والمؤشرات والآليات المتعلقة بالاعتماد، وعدم السماح للجامعات بأخذ الاعتمادات الدولية لبعض البرامج قبل حصولها على الاعتماد المحلي، والعمل على بناء تصنيف وطني للجامعات السعودية مبني على معايير الاعتماد الأكاديمي المؤسسي والبرامجي الذي تمنحه الهيئة للجامعات، يكون محفزا للجامعات نحو التنافسية المحلية، ومقرونا بالدعم المالي المخصص للجامعات.

والسبب الثاني تتحمله جامعاتنا الوطنية بحكم نمطيتها وتطابق ممارساتها الإدارية والأكاديمية، حتى في أدق التفاصيل، ويقع عليها دور كبير ومتشعب يتوقف النجاح فيه على حسن اختيار القيادات الأكاديمية بالدرجة الأولى، وعلى جميع المستويات الأكاديمية في الجامعة، خاصة رؤساء الأقسام العلمية، بما يمكنهم من ممارسة أدوارهم الأكاديمية بحرية تامة، في إطار الإشراف والتوجيه من القيادات العليا، ثم التحول من الاهتمام بعملية التخطيط الاستراتيجي التي أبدعنا فيها كثيرا إلى التركيز على عمليات التنفيذ والرقابة والتقويم.

لا قيمة للخطط الاستراتيجية ما لم تترجم إلى خطط تنفيذية سهلة التنفيذ قابلة للقياس والتقويم، وردم الفجوة بين وظائف الجامعة بخلق حالة من التفاعل والتكامل بين وظائفها التعليمية والبحثية وخدمة المجتمع، وربطها مع مكونات الجامعة من الموارد البشرية والأنظمة واللوائح والممارسات الإدارية والقيادية، والاهتمام برضا المستفيدين من خدماتها وإشباع حاجاتهم، وفتح أسوار الجامعة على المجتمع وبناء شراكات فاعلة، والعناية بتطوير الأكاديميين تطويرا حقيقيا في البعد التدريسي والبحثي والثقافي والمجتمعي، بعيدا عن البرامج الدورات الترفيهية القصيرة التي لا تبنى على الاحتياجات التدريبية الفعلية، وتقييم أدائهم الأكاديمي بشكل دوري وموضوعي، وربطه بالتدرج الوظيفي والترقيات العلمية.

إن الرهان الحقيقي على تقدم جامعاتنا لن يتأتى إلا بخروجها من قالب النمطية، وإطلاق العنان لإبداعات الموارد البشرية، وتوفير المناخ الأكاديمي الحر والمحفز على إنتاج المعرفة وتداولها وتوظيفها لخدمة القطاعات التنموية، وكذلك بقيام هيئة تقويم التعليم والتدريب بدورها التقويمي كما يجب، حتى لو تطلب الأمر التوصية بدمج بعض الجامعات، أو تجزئتها إلى عدة جامعات متخصصة، أو حتى إلغاء بعضها، أو تغيير هيكل بعضها، وفق احتياجات ومتطلبات المجتمعات التي تعيش فيها.