فاتنة عبيد

هذا الوقت سيمضي

الخميس - 01 أكتوبر 2020

Thu - 01 Oct 2020

إن لم نكن جميعنا فأغلبنا يردد تلك الجملة يوميا بحياته الروتينية. نرى الأم تستثمر تلك الجملة يوميا في تربية أطفالها ورعاية عائلتها والسهر والتعب إلى أن تصل إلى سن الخمسين، وتنسى أن شبابها هدر على كلمة سيمضي الوقت وأرتاح. الموظف أيضا، تجده يذهب يوميا إلى وظيفته الروتينية على أمل أن هذا الوقت سيمضي وسيحال إلى التقاعد ويرتاح، وبينما هو ينتظر هذا الوقت الذي يمضي بتعدد الأيام ومرور الساعات يكون قد أصيب بالسكري والضغط، وغيرهما من الأمراض المزمنة التي تحرمه بعض ملذات الحياة.

وأكثر من يتداول تلك الجملة أيضا الشباب، يفني وقته، وصحته، وراحته من أجل أن يحصل على أعلى الدرجات، المناصب أو حتى الإنجازات، إلى أن يدخل بدوامة (العمر يسبقني ولن أحقق شيئا يذكر)، وجميع تلك السيناريوهات تحصل بسبب فناء الوقت على تحقيق شيئا ليثبت أقدامنا أمام الآخرين ويهزمنا أمام أنفسنا.

ليس عيبا أن يسهر الطالب وراء تحقيق أحلامه، وليس أمرا غريبا أن يذهب الموظف لتلبية واجباته الحياتية، وليس أمرا مستغربا أن تقضي الأم حياتها في تربية أطفالها، ولكن الهزيمة حينما نحرم أنفسنا الاستنشاق والاستمتاع، من الشعور بجميع المشاعر الغريبة من الفرح والحزن والاندهاش والاستغراب. الهزيمة حينما نصل إلى سن الشيخوخة ونحن نتأمل الأرجوحة التي حرمنا أنفسنا من لذة الاستمتاع بها على أمل أن ما بين أيدينا سيمضي وسنجد لأنفسنا وقتا للتنزه مرة أخرى.

الحياة لا تخبرنا متى تحين أوقات أفراحنا ومتى تذهب أحزاننا، والقدر لا يخبرنا متى يحين موعدنا! ولكننا نلهو ونركض خلف الأوهام.

لم أذكر أني رأيت شخصا وصل إلى سن الشيخوخة وهو ليس نادما على تضييع وقته نحو مجلدات وصفحات وتوقيعات ومناصب، أذكر كل مرة كنت أرى بها شخصا يكبرني في السن بعقود يخبرني وهو نادم متحسر أن العمر سيمضي والصحة تفنى والإنجازات سترفع على الرفوف يملؤها الغبار وأحيانا تتناسى مع الزمان، ولكن ألم الحسرة يبقى ولا يذهب، خاصة حينما نتحسر على تضييع جلسة سمر مع العائلة ومن ثم يصبح أحد أفراد تلك العائلة دفين التراب، يتمنى المرء فقط دقائق معدودات للجلوس معه وترك أشغاله التي بين يديه.

لطالما سمعت جملة العمر ينتهي والعمل لا ينتهي، وأحاول بروزة تلك الجملة بصياغتي، بأن الحياة لا تعطينا ما نرغب وإن دفنا أنفسنا بين الصفحات، ولكن الأوقات السعيدة والضحكات المرتفعة مع من نحب تكسبنا الدنيا بأكملها.

لا نجعل أنفسنا أكثر عرضة للاكتئاب من أجل الانغماس الزائد نحو الحياة، ونحو مناصب وألقاب وكراس ومسميات نظن أن بها الحياة، ولكن بها الفناء. فالآن أصبح عداد الأموات يمتلئ بالشباب وهم في بداية حياتهم ولم يعيشوا سوى مراحل الاكتئاب، والمقارنات إلى أن فارقوا الحياة وهم يحملون عديدا من الأماني والخطط المستقبلية التي دفنت معهم، دون أن يعيشوها.

دفنت أيضا استثمارات وثروات لأشخاص أفنوا أعمارهم من أجل حصادها وغادروا ولم يتمعنوا في ملذاتها.

إذا أكملت قراءتك إلى هنا فاعلم أن المناسبات والأعياد والأشهر الفضيلة ومائدة الإفطار التي جمعتك مع من تحب هي من ستشكل الذكريات التي تعيش عبر رحيقها إلى أن تغادر دون ندم أو حسرة على تضييع وقتك وفناء صحتك تحت إغواءات الحياة التي لا تنتهي. أنقذ نفسك الآن قبل أن تغرق.