بندر الزهراني

نقدنا الأكاديمي ما هو إلا شعور وطني!

السبت - 26 سبتمبر 2020

Sat - 26 Sep 2020

‏يتعرف الإنسان على ذاته من خلال تفاعل وتداخل الآخر معه، وهذا على رأي الفلاسفة كهاربرت ميد ومن قبله هيغل، وأعظم من آرائهم قول المولى تبارك وتعالى «خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين»، فالإنسان يتطور مجتمعيا وينمو إحساسه وإدراكه بنفسه من خلال آراء الآخرين عنه، فهو لا يولد مكتمل الإحساس بكل ما في ذاته، وبمعنى آخر نستطيع القول: إن آراء ونقد الآخرين لما نقوم به من أفعال أو ردة أفعال ما هو إلا ملمح من ملامح الأنا، ولهذا فإن صناعة النقد وتقبله كليا أو جزئيا تعد من الفطر والمزايا الإنسانية.

ممارسة النقد أيا كان نوعه عملية ليست بالسهلة، كما قد نظن، فالناقد حتى يكون ناقدا جيدا، ونقده مقبولا ومعقولا، لا بد أن يكون على اطلاع واسع، ومعرفة كبيرة بما ينقده وبما يحاول عرضه وتحليله، وإلا فإن النقد عندئذ سيتحول إلى مجرد كلام فارغ لا معنى له ولا أثر ينتج عنه، وكذلك مادة النقد ما لم تكن مادة جيدة ولها قيمة وتحظى بحرص واهتمام المتابعين.

وعلى الناقد في الجانب المقابل وبغض النظر عن وجهة نقده ومساره أن يتحلى بالروح الرياضية المتسامحة، ويتقبل هو الآخر نتائج نقده وأذى الخصوم له.

‏يظن بعض المسؤولين أن النقد البناء هو المدح المبالغ فيه أو النصح بكثير من الثناء وإظهار المزايا، والبعد كل البعد عن ذكر العيوب والرزايا، وإنه يتوجب على الناقد مراعاة مشاعر المسؤول قبل نقد عمله حتى يكون النقد هادفا وذا معنى، وما عدا ذلك فهو نقد جارح هدّام لا فائدة منه، وهذا من وجهة نظري غير صحيح إطلاقا، لأن نقد أي مسؤول لا يكون نقدا ما لم يكن الناقد متحررا من كل القيود المادية والمعنوية، ويجب أن يكون نقده لخلل واقع أو لعيب ظاهر، كل حسبما يراه من وجهة نظره، وسعة اطلاعه وإلمامه بما ينقده، وحسب مقدرته وتمكنه من تخصصه، وامتلاكه أساليب وأدوات النقد الصحيح.

‏ونعني بالنقد هنا النقد المتعلق بالإدارة الأكاديمية، ونقد عمل المسؤول الأكاديمي الذي هو محل اهتمامنا، لا نقد شخصه أو شكله أو مركزه ومكانته الاجتماعية، ولا نراه صحيا ولا مفيدا أن ينحو المسؤول الأكاديمي إلى طلب المديح والثناء، والإعراض عن النقد المباشر لعمله، فإن مثل هؤلاء من المسؤولين الأكاديميين مع تعدد المسؤوليات وطول مدة تعيينهم أو تكليفهم يخشى عليهم من السقوط في قيعان الفساد والانزلاق في مستنقع الشبهات!

وحري بالمسؤول الأكاديمي أن يترقب النقد ويرحب به، لا أن ينفر منه أو يهرب منه، وحري به أن يكون الناقد الأول لنفسه وقراراته وتصرفاته، وهناك فرق كبير بين نقد الذات وجلدها، فجلد الذات نوع من التأديب والمحاسبة بعد الوقوع في الخطأ، وله حدود، لأن الإفراط فيه يحوله إلى مرض، أما الاعتدال فيجعله مع الوقت نظاما تقويميا، بينما نقد الذات هو تحذير استباقي للنفس لئلا تقع في الخطأ، وعلى المدى البعيد يتحول إلى نظام تقييمي! وقليل جدا من المسؤولين من يتحلى بهذا الفكر النقدي المتميز.

ونحن في نقد الأوضاع الأكاديمية أمام فئات ثلاث: المادحون وهم كثر، والصامتون وهم الأكثرية، وقليل جدا أولئك الذين ينتقدون بتجرد، أما المادحون فيمدحون كي يصلوا، فإذا وصلوا لم يغيروا شيئا، وربما انشغلوا بما كانوا ينظرون إليه على أنه غنيمة، فيتنوع فسادهم، وتتشيطن أنفسهم.

وأما الصامتون فلا خير فيهم، إن وصلوا سكتوا عن فسادهم وفساد غيرهم، وإن لم يصلوا بقوا كما كانوا عبئا على المجتمع وعلى أنفسهم.

وأما الناقدون العقلانيون والواقعيون فهم الباذلون المخلصون، وينالهم من الثواب أجران؛ أجر النقد الحر المتجرد، و أجر الصبر الحسن على أذى الخصوم!

وأحسب أن كل ما كتبناه، نحن النقاد، من مقالات أو قلناه من آراء فيها نقد للنواحي الأكاديمية في الجامعات المحلية لا يخرج عن التقويم الجيد الصادق، ونؤمن إيمانا عميقا بضرورة الحديث العام عن كل قضايانا الأكاديمية بكل شفافية وصدق ووضوح، وليس لنا أهداف إلا تصحيح الخطأ وتعديل المعوج، ونحسب هذا كله وفاء للوطن جبلت عليه أنفسنا، وحبا له تغلغل في دواخلنا، وسنستمر في هذا النوع من الطرح كلما دعت الحاجة وسمحت الظروف، مع الاحتفاظ بالاحترام والتقدير لمشاعر من يروننا خصوما لهم!

drbmaz@