يحيى بكلي

المكتبات في السعودية.. المشهد في الذكرى 90

الثلاثاء - 22 سبتمبر 2020

Tue - 22 Sep 2020

استوعبت الدول المحترمة منذ الإعلان سنة 1974م عن مصطلح الوعي المعلوماتي من قبل الأمريكي بول زيركوفسكي، حقيقة المكتبات ومكانتها في بناء المواطن الواعي معلوماتيا وبناء اقتصاد المعرفة باعتبارهما ركيزة الأمم المتقدمة في القرن الحادي والعشرين، بينما لا تزال الشعوب المتخلفة تعتبر المكتبات ترفا فكريا وعالة على الاقتصاد الوطني. كما أسست منظمة اليونيسكو منذ أمد طويل لفكرة تقييم قطاع المكتبات لبلد ما باعتبارها مؤشرا مهما لقياس نهضته الثقافية.

انطلاقا من هذه الفكرة وبمناسبة مرور 90 سنة على تأسيس المملكة العربية السعودية ارتأينا أن نقوم بتمرين فكري تقويمي لديناميكية المكتبات في هذا البلد الطموح. وفي هذا الصدد وإذا اعتمدنا دليل المكتبات السعودية الذي توفره مكتبة الملك فهد الوطنية من جهة ونظرنا في قائمة المؤتمرات المنعقدة منذ 1932م في مجال المكتبات في السعودية، وإذا نظرنا إلى دليل الجامعات الحكومية السعودية؛ نخرج بما لا يقل عن خمس مكتسبات بارزة، يحق للسعودية أن تفخر بها.

مكاسب جديرة بالفخر

أولا: ذلكم الكم الهائل من المؤسسات، فالمملكة تمتلك (حسب آخر إحصاء لمكتبة الملك فهد الوطنية) ما لا يقل عن 500 مؤسسة بين مكتبة وطنية ومكتبة عامة ومكتبة متخصصة ومكتبة مدرسية ومكتبة جامعية. هذا دون احتساب المكتبات الوقفية والمكتبات المسجدية والمكتبات الشخصية (مكتبات العلماء والأعيان) والتي لم يغطها دليل المكتبات الذي ترعاه مكتبة الملك فهد الوطنية. وفي هذا الكم هناك عدد لا بأس به من المكتبات التي تحظى باحترام واعتراف وتقدير علماء المكتبات العرب وغيرهم، لعل من أبرزها مكتبة الملك فهد الوطنية القوية، بحزمة الخدمات التي تقدمها والأرصدة التاريخية النادرة التي تحوزها وكذا كفاءة كوادرها.

وهناك أيضا مجمع الملك عبدالعزيز للمكتبات الوقفية التي تحوي أرصدة ومخطوطات لعلماء تركوا بصمة في تاريخ المدينة المنورة، وأقل ما يقال عنها إنها كنوزا نادرة. ونذكر أيضا دارة الملك عبدالعزيز من خلال مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بمختلف فروعها والمتميزة باستراتيجيتها الواضحة في مواكبة رؤية 2030 وكذا قوة مبادراتها لنشر ثقافة المطالعة في المملكة، وهي حاضرة حتى خارج حدود المملكة. ولا تفوتني الإشارة إلى مكتبة المسجد النبوي التي تكاد تكون مكتبة مرجعية عالمية في مجال علوم السنة النبوية.

وكذا مكتبة الحرم المكي الشريف المعروفة بقيمتها التاريخية التي لا تخفى على الباحث والمثقف عبر العالم الإسلامي. ولا يفوتني أن أنبه إلى مؤسسات أخرى في العالم الرقمي من أبرزها «المكتبة الرقمية السعودية» SDL التي تقدم خدمات جليلة لعموم الباحثين في الجامعات السعودية. وكذا المكتبة الرقمية الشهيرة عالميا «بالمكتبة الشاملة» والتي ترعاها مكتبة المسجد النبوي الشريف والتي تحوي ملايين العناوين بالنص الكامل.

ثانيا: تزخر السعودية برجال وأسماء لامعة وقوية تركت بصمتها في تاريخ المكتبات السعودية، بل والعربية أيضا.

منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما تخلفوا عن حمل المشعل.

يصعب حصرهم في هذا المقام، لكن نقول: منهم من ترك إنتاجا غزيرا ومنهم من أسس مجلة متخصصة ومنهم من ترأس جمعية متخصصة، ومنهم أمناء المكتبات بمختلف أصنافها الذين يتجاوز عددهم الخمسمئة أمين مكتبة. ومنهم رؤساء أقسام المعلومات في الجامعات.

ثالثا: يتوفر في الجامعات السعودية ما لا يقل عن سبعة أقسام لتدريس علوم المكتبات (و التي طورت مسمياتها إلى أقسام علم المعلومات، أو قسم المكتبات والمعلومات وذلك بحكم الاتجاهات الحديثة للتخصص وكذا توجهات الدولة وخاصة ما يتعلق بالحوكمة الالكترونية.

هذه الأقسام تدرس وتخرج سنويا دفعات من أمناء وموظفي المكتبات ومراكز المعلومات.

رابعا: جمعية المكتبات والمعلومات السعودية هي مكسب مهم للسعودية، تأسست قبل 41 سنة وتحتضنها جامعة الملك سعود بالرياض، ولها رسالة ورؤية قوية وحضور بارز، ولها مجلس إدارة مرموق يجعلها رقما فاعلا في مشهد المكتبات السعودية، وهي بلا شك واحدة من أقوى جمعيات المكتبات على مستوى العالم العربي على غرار جمعيات مصر وسلطنة عمان والأردن والسودان ولبنان.

خامسا: مجموعة من الدوريات والمجلات العلمية المتخصصة التي ساهمت في إثراء الإنتاج الفكري في مجال المكتبات والمعلومات وتكنولوجياتها. نذكر من أبرزها: مجلة مكتبة الملك فهد الوطنية ومجلة دارة الملك عبدالعزيز ومجلة عالم الكتب ومجلة دراسات المعلومات التي تنشرها جمعية المكتبات والمعلومات السعودية.

تحديات وآفاق

لعل التحدي الأقوى الذي سيواجه المكتبات السعودية مستقبلا يكمن في الحفاظ على المكتسبات السالف ذكرها والعمل على تثمينها وترقيتها وإثرائها.

وهذا تحد يطرح على الأجيال الحالية والمستقبلية من أمناء المكتبات السعودية الشباب وخريجي أقسام علم المعلومات. والتحدي الآخر يتمثل في ضرورة اليقظة وتحديث استراتيجيات هذه المؤسسات من فترة لأخرى لمواكبة المستجدات والتغيرات المتسارعة في مجال خصب كقطاع المكتبات والمعلومات ومواكبة توجهات الدولة وطموحاتها الاستراتيجية، وكذا حاجيات المجتمع السعودي. ويتفرع عن هذه الاستراتيجيات اعتماد خطط تسويقية مركزة تراعي الحضور القوي لوسائل الإعلام الالكتروني والشبكات الاجتماعية وبخاصة تويتر.

كما أن المستقبل يفرض في نظرنا الدخول في تحالفات بين المكتبات لتوفير أكبر وأفضل عدد ممكن من الخدمات المكتبية، وهنا نشيد بمبادرات مكتبة الملك فهد الوطنية من خلال الفهرس السعودي الموحد.