عبدالله قاسم العنزي

التنبيش بحث عن جريمة أو سلوك عدواني

الاحد - 13 سبتمبر 2020

Sun - 13 Sep 2020

إن القانون ظاهرة اجتماعية وضرورية فلا قانون بغير مجتمع ولا مجتمع بغير قانون، فالفرد المنعزل فرض نظري بعيد عن الواقع، لأن الإنسان مدني بطبعه ولا يستطيع العيش دون مجتمع وعلى ذلك قواعد القانون لا تنظم إلا العلاقات التي تنشأ بين الناس فلا قيام لمجتمع بغير قواعد تتولى تنظيم شؤونه وتحقق العدالة فيه ومن ثم يسير المجتمع نحو التقدم والازدهار وما أود أن أقوله أن صياغة التشريعات القانونية تختلف من دولة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر لأنها تبنى على ظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية ودينية فلكل دولة لها عوامل تتأسس عليها صياغة القواعد القانونية.

وبما اتضح لنا مما سبق تختلف سياسات التجريم والعقاب بحسب العوامل التي تقوم عليها التصرفات التي تكون محلا (للتأثيم) في نظر المنظم لهذه القوانين في كل دولة، لأن سياسة التجريم والعقاب تقوم على التوازن بين حق الدولة في العقاب وحماية المجتمع وبين القواعد الدستورية التي حددت الحقوق والحريات.

أقول: إن القواعد القانونية مرتبطة بوقائع مادية وقانونية قد تجعل المنظم يعيد النظر في بناء القاعدة القانونية لاعتبارها أنها لا تناسب الظروف القائمة والمستجدة في المجتمع ومن ثم يضطر إلى تعديلها أو إلغائها أو إنشاء قاعدة جديدة كما هو حادث في الأنظمة لدينا تعرضت لعدة تعديلات في موادها ومنها ما ألغي ومنها ما استحدث بسبب ظروف ونوازل جديدة في المجتمع، ولكن السؤال المهم في سياق تغير القوانين ما موقف المكلف من هذه التغيرات الطارئة وهل يجرم المكلف حالة كان في السابق ارتكب تصرفا لم يكن محل تأثيم في نظر القانون فأصبح مجرما فيما بعد.؟

الجواب: الأصل عدم رجعية القانون خصوصا فيما يتعلق بالعقوبات كما عبرت بذلك النظام الأساس للحكم في المادة الـ38 بأن «لا عقاب إلا على الأعمال اللاحقة للعمل بالنص النظامي» أما إذا سرى القانون على وقائع تم تكوينها أو على مراكز قانونية اكتملت عناصرها قبل العمل بأحكامه فإن هذا القانون يكون متضمنا أثرا رجعيا أي أن الأمر المعتبر في تحديد رجعية القانون من عدمه، إنما يتعلق بتاريخ تحقق الواقعة القانونية التي رتب المنظم عليها أثرا قانونيا.

ومما لاحظناه وبشكل واضح أن هناك صراعا فكريا لم يدر بطريقة حضارية من قبل الإعلام أو الجهات المعنية ببناء المجتمع عزز ثقافة البحث عن الأخطاء بطريقة عدوانية – خارج عن المنطق والمصلحة العامة - كما هو مشاهد وظاهر في المنصة الاجتماعية «توتير».!

وتسأل فيما بيني وبين نفسي ماذا يريد الذين أشغلوا الرأي العام بهاشتاقات تجمع قصاصات من تغريدات مضى عليها عشرات السنين لأشخاص – أيا كانوا - تصاحبها أحكام مسبقة يسعى هؤلاء المدعون – إصلاحا - إلى إثباتها وبتكبير الأمور وإخراجها عن سياقها تارة أو اجتزاء الحقيقة للتضليل وإثبات الجانب السيئ أو بقلب الحقائق أو تشويهها تارة أخرى ويطالبون الجهات المعنية بمحاسبة المغرد أو المغردين وفق نظام الجرائم المعلوماتية أو غيرها من الأنظمة.

ونؤكد لهؤلاء أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص شرعي أو نص نظامي ولا عقاب إلا على الأعمال اللاحقة للعمل بالنص النظامي وأن سلوككم لا يعالج مشكلة بهذه الطريقة إنما يحدث شرخا في المجتمع ويضعف لحمتنا الوطنية التي هي أساس قوتنا ثم هل هناك شخص أو مجتمع خال من العيوب والأخطاء.؟

في آخر كلامي أقول: إن نبش الأرض حفرها لاستخراج ما فيها ونبش العقل سبره لاستخراج المعلومات بالسؤال ونبش المستور كشفه ونبش التغريدات فعل «خسيس» لمن لا يتمتع بصحة نفسية جيدة ويعاني من سلوك عدواني، لأن البحث عن الجريمة بقصد الحفاظ على الصالح العام لا يكون بنبش التغريدات والهاشتاقات إنما يكون بالإبلاغ بالطرق المعتادة والتي وضحتها كافة الجهات المعنية.

expert_55@