بندر الزهراني

إشكالية القيادة والإدارة عند الأكاديميين!

السبت - 12 سبتمبر 2020

Sat - 12 Sep 2020

هناك تداخل كبير بين مفهوم القيادة من جهة ومفهوم الإدارة من جهة أخرى، وكثير من الناس من يستخدم المفهومين بالتبادل للدلالة على الآخر، إلا أن المتخصصين يفرقون بينهما في الوصف والاستخدام، ويضعون لكل مفهوم تعريفات ومهام وخصائص وأغراضا مختلفة عن الآخر، وبغض النظر عن مسألة خلط المفهومين أو فصلهما عن بعض تظل إشكالية قيادة وإدارة الجامعات المحلية والمراكز العلمية محل نظر ودراسة، والسبب في عدم حلحلة خيوط هذه الإشكالية يرجع - من وجهة نظري - إلى أسباب كثيرة، أهمها أسباب ذاتية، وتتعلق بسيكولوجية العقل الإداري وفطرة القيادة.

القائد الحقيقي يولد بنزعة قيادية، هكذا فطرة فطره الله عليها وموهبة وهبه إياها، تكتشف وتصقل حسب الظروف الزمكانية التي يعيشها، وقد يولد جماعة كثير بهذه الفطرة والملكة الربانية ولكنهم يتفاوتون في التغلب على عوامل التحدي التي تواجههم أو تفرض عليهم، فمنهم من تتغلب عليه قوى خارجية في سياقات مختلفة فتقمع في داخله هذه الفطرة، فيتدجن بما دجنته عليه قوى الواقع وظروف الحال، ومنهم من تتساوى عنده محصلات قواه مع القوى الأخرى فيظل مناضلا ينتصر تارة ويخسر تارة، ومنهم من يتغلب على كل القوى فيصبح قائدا فذا بكل ما تحمله هذه الكلمة من دلالات ومعان.

وكذلك المدير الحقيقي يولد بمواهب وصفات تميزه عن غيره، وهم خلق كثير، وقد يكون المدير قائدا حجمته الظروف وأحكمت قبضتها عليه وحصرته في تنفيذ سياسات الآخرين، ولذلك يلاحظ أن المدير يدور بشكل مستمر في دوائر وسياسات قادته التي يحددونها له مسبقا، إما بأنظمة ولوائح معينة أو من خلال توجيهات مباشرة، بغض النظر عن عقلانيتها، وصوابا كانت أو خطأ، ولا يستطيع تجاوزها، وعليه إن أراد الاحتفاظ بمكانه ورضا قادته أن ينجح في تطبيق سياساتهم أولا، ويجعل من موظفيه أدوات تدور في فلك دائرته بشكل منتظم، وهذا ما يخلق مجتمع العقول الأداتية.

وحتى لا نكون مجحفين في مسألة تصنيف العقول الأكاديمية في جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية دعونا نفرق بين عمل رؤساء الجامعات على افتراض أنهم يجمعون بين مزايا القيادة والإدارة في آن واحد، وهذا مطلب أساسي، وبين عمل غيرهم من الأكاديميين سواء من الوكلاء وعميدي الكليات ومديري الإدارات أو حتى من أعضاء هيئة التدريس والمنسوبين من فنيين وموظفين، وهم في كل الأحوال إما تحلوا بصفات القيادة وإما التزموا بأصول الإدارة، علموا بذلك أو لم يعلموا.

القيادة المكتسبة بالتدريب لا تلبث طويلا حتى تتحول إلى إدارة متطورة نوعا ما، فالقائد الفذ لا يمكن صناعته أبدا، أي نعم هناك صفات قيادية يمكن اكتسابها بالتعلم أو بالتجربة، ولكنها في كل الأحوال لا تصنع قائدا، وقد أخطأت بعض الجامعات في تقديرها حينما ابتكرت مراكز وأندية لإعداد قيادات المستقبل، زاعمة بذلك إمكانية بناء قادة أكاديميين، وهذا زعم مشكوك في صحته خاصة إذا ما نظرنا بشيء من الإمعان والتأمل في خصائص القيادة وتلمسنا جوانب حساسة من تفوق وتميز القادة الحقيقيين، ربما تنجح الجامعات أو غيرها في إعداد عقول أداتية تنفذ ما يطلب منها وتدور ضمن دوائر وأطر محددة، وما عدا ذلك فهو ضرب من أضراب الخيال السطحي أو عرض من أعراض الاضطراب الوهمي!

حتى لو نظرنا على مستوى التعليم العام، على سبيل المثال في المدارس: تحويل مسمى «مدير» إلى «قائد» ما كان له ذلك الأثر الكبير أو التأثير الملحوظ، بل ربما لو بقي المسمى كما كان في السابق لكان خيرا لنا ولهم، لماذا؟ لأننا منحنا المدير مسمى القيادة وسلبنا منه أدوات القائد وصلاحياته، فهو يعود للأنظمة ولرئيسه في كل صغيرة وكبيرة، وإذا كان القائد ينتظر التوجيه من رئيسه في منظومة أقل ما يقال عنها إنها بيروقراطية من رأسها إلى أخمص قدميها فهذا يقضي تماما على معنى القيادة، ويلغي أي وجود لها، اللهم مسميات لا تزيد العملية التعليمية إلا بؤسا وتعاسة.

من يجمع بين القيادة الأكاديمية كفكر والإدارة الأكاديمية كممارسة لذلك الفكر لا بد وأن يكون فيلسوفا عظيما ومفوها بارعا، تستسلم لأفكاره العقول، انقيادا وانبهارا، وتلتزم بفلسفته وتتناغم مع رؤيته كل قطاعات إدارته، ولو وجد هذا النوع من القادة في جامعاتنا المحلية لقضوا أول ما قضوا على الفساد الأكاديمي جذوره ومظاهره، ولبنوا صروحا حقيقية للفكر والمعرفة تقود العالم الأكاديمي خير قيادة، دون الحاجة لدفع ملايين الريالات على برامج هلامية أو إنشاء مراكز وهمية دافعها الأول والأخير خلق هالات إعلامية تمجد الذوات لغرض البقاء والاقتيات!

drbmaz@