بندر الزهراني

برامج التمويل للبحث والتطوير!

السبت - 05 سبتمبر 2020

Sat - 05 Sep 2020

يلاحظ على برامج التمويل وآليات دعم البحث العلمي المعمول بها في الجامعات فوق البذخ في الصرف وفقدان النزاهة العلمية كثرة المآخذ والعيوب والمثالب، وأرجو ألا يفهم ابتداء أننا ضد الدعم المالي للبحث العلمي، إطلاقا، فنحن ممن طالب ويطالب بمضاعفة المخصصات المالية للجامعات وللمراكز البحثية في شتى فروع العلم والمعرفة، وإعطاء الأولوية القصوى للبحث العلمي بكافة أشكاله ومتطلباته، تشجيعا ودعما للباحثين المحليين، وتوطينا وتوظيفا للبحث وأدواته، ولكننا ضد ضعف المخرجات، وضد سوء إدارة عمليات البحث العلمي في الجامعات، سواء أكان ذلك من نواح تنظيمية ومالية، أو من نواح علمية صرفة.

في جامعة الملك عبدالعزيز حيث هي تتصدر قوائم تصنيف الجامعات محليا وعربيا وتحتل مكانة متقدمة عالميا، أعلنت وكالة الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي عن برنامج «التمويل المؤسسي للبحث والتطوير» وهذا البرنامج يأتي - كما تقول الوكالة - انطلاقا من حرص الجامعة على دعم الباحثين والعملية البحثية، وبدعم من وزارة التعليم، وهذا كله حسن وجيد، بل هو ما ندعو إليه ونحث عليه، وهو ما يبحث عنه ويطالب به كل باحث أصيل متشوق للبحث العلمي النزيه، فالباحث بدون دعم مالي ستواجهه صعوبات كثيرة ومتعددة، لا حصر لها، تعيقه عن البحث والإنجاز.

وكالة الجامعة هي نفسها في فترة من فترات الرخاء المالي الذي شهدته الجامعة - أي من عشرة أعوام تقريبا - أطلقت برنامجا تعاونيا مع العلماء المتميزين والأكثر شهرة ومرجعية واستشهادا بأبحاثهم على مستوى العالم، وكان الهدف منه اجتذاب مجموعة كبيرة منهم للعمل مع أساتذة محليين والنشر العلمي باسم الجامعة بغرض تقدمها في مراكز التصنيف الدولي، وحينما نتحدث عن هذا الموضوع وبهذا الوضوح فنحن لا نذيع سرا أو نكشف سترا، فالجامعة كانت تفتخر وتفاخر بهذا البرنامج وتعده إنجازا عظيما، وقد نجحت إدارة الجامعة آنذاك في مبتغاها الوهمي، ونالت الجامعة مراكز متقدمة ما زالت تعيش في ظل وضلال بريقها الوهمي إلى اليوم!

هذا البرنامج على أنه أنتج سمعة دولية كبيرة للجامعة إلا أنه في الوقت نفسه أنتج مجموعة رخوة من الباحثين، متخمة بعدد الأبحاث المنشورة باسمها، منتشية ببدلات التميز الباذخة التي تحصل عليها، وهي في الواقع إذا ما شخصت كانت مجموعة خاوية وفارغة من العلوم والمعرفة، لذلك وفي وقت لاحق أوقفت الوزارة أو جهات أخرى العمل بهذا البرنامج وجمدت الصرف عليه!

ترى، لماذا تعود وكالة الجامعة لنفس برامج الإدارة السابقة؟ نفس البرامج روحا وجسدا، إدارة وتنظيما، مع اختلافات طفيفة في المسميات، لماذا نعود إلى الوراء ونتبنى سياسات بحثية أثبت واقع الحال فشلها وفشل من قال بها وتزعمها؟! لا أدري إلى متى وهذا حالنا وحال جامعاتنا؟! إن كنا صادقين في بحثنا عن التميز والنجاح فلا بد أن نقول لهؤلاء: كفوا أيديكم، التمويل المؤسسي للبحث والتطوير لا يؤتى بهذا الشكل أبدا.

وبالرغم من كثرة الشروط المكتوبة والصرامة التي تبدو عليها البرامج البحثية الجديدة، والمعلن عنها على صفحة وكالة الجامعة، إلا أن هذا النوع من البرامج ليس إلا جيلا جديدا من البرامج السابقة، تخيلوا: دعما ماليا قد يصل إلى ملايين الريالات، ويحصل عليها باحث واحد ليس له من البحث إلا طباعة اسمه واسم الجامعة عليه، وربما بعض المجهود الشكلي في إدارة فريق العمل! ويذهب جزء منها أو معظمها للباحثين الدوليين المشاركين معه، أليس هذا هو الاستنزاف المالي بعينه إن قيل ما هو الاستنزاف؟! لا عوائد معنوية «حقيقية» تذكر، ولا فوائد «حسية» تشاهد على أرض الواقع!

قد يكون هدف إدارة الجامعة الحالية هو المحافظة على موقع الجامعة التصنيفي بين الجامعات العالمية، وهذا هدف جوهري ومنطقي، ولكن ليس بهذه الطريقة، فهناك ألف طريقة وطريقة، ويمكن للجامعة ضمن استراتيجية بعيدة المدى تبني الطرق الأنجع والأنفع للباحث المحلي، والعمل على توطين البحث العلمي بمنهجية واضحة، يستبعد منها العنصر الأجنبي، إلا بشروط معينة وفي أضيق الحدود، ولن يحدث هذا طالما تمسكنا بأفكار وبرامج الإدارات السابقة أو أعطينا بقاياها فرصة لصناعة واتخاذ القرار، فمن المظالم أن تكون على المظالم يا فزاره!

drbmaz@