عبدالله الأعرج

التعليم.. قريبا كان أو بعيدا!

الاحد - 30 أغسطس 2020

Sun - 30 Aug 2020

لم أشغل نفسي يوما بنمط التعليم بقدر ما أشغلتها بنواتج التعلم الفاعلة. وأحسب أن التوجه نحو مخرجات التعلم هو الترند العالمي on trend الذي يتسابق لتحقيقه إنسان هذا الكوكب من أقصاه إلى أقصاه.

والمتأمل لتطور حركة التعليم للجنس البشري يدرك أن كثيرا من مخرجات (العلم) المؤثرة في تقدم البشرية لم تأت نتاجا للتعليم المنظم في القاعات والحجر الدراسية بقدر ما كانت لحظات تفكر وتجلٍ من متأمل في أحوال المادة حوله وسيرورتها وصيرورتها لحين وصولها لحالتها النهائية وترجمة ذلك على شكل نظريات وقوانين علمية ما زالت مرجعية لكثير من علوم العصر ومخترعاته وستمتد إلى ما بعده.

لذلك فإن التركيز على تحقق التعلم من قبل كل المستفيدين هو الأساس ومن ثم يمكن لنا الحديث واستدراج أنماط واستراتيجيات وقنوات للوصول لهذا الغرض مأخوذا في الاعتبار العوامل المحيطة سواء في داخل بيئة التطبيق inner circle أو في خارجه contextual factors.

ولأن الحديث اليوم على المستويين العالمي والمحلي استفاض حول آلية إيصال المعلومة عن بعد للطالب نتيجة لعامل جائحي outbreak فرض على الأرض، فإن الغوص في جدلية المنصات ومحاولة محاكاة بيئة الحضور الجسدي والحديث عن التأكد التام أن ما سينقل عبر الأثير سيكون نسخة شبه مطابقة لما سيكون في الصف أو المعمل أو الورشة سيكون حديثا منهكا ومضنيا إذا سلمنا بأن نمط التعليم عن بعد له آليات لا يمكن أن تكون نسخة مطابقة لمقابله الحضوري بأي حال.

إذاً فالمهم هنا أن نتنبه لقضية محورية، وهي أن إيراد النموذجين من التعليم (الحضوري أو عن بعد) لا يعني بحال أن هنالك فاضلا أو مفضولا على وجه التعميم بقدر ما يعني أن أحد النمطين modes سيكون أقدر على تحقيق نواتج تعلم معتبرة في نقاط محددة أكثر من الآخر وفي ظروف محددة.

أقول هذا الأمر وأنا دوما متشجع لعملية المزج بين أنماط التعليم في أوقات الرخاء والشدة عطفا على غياب ما يمكن تسميته بالنموذج الأمثل للتعلم، فرب معلومة يتم البحث عنها خارج القاعة ثم يعقد لها لقاء افتراضي على شكل webinar تعليمي أن تحقق جملة من الأهداف التعليمية لا يمكن لمقابلها الحضوري أن يكسبها للمتعلمين، ولعل لقاء نظريا بحتا يستنزف وقودا للمركبة وقطعا لعشرات الكيلومترات واستعدادا أسريا مكلفا واستهلاكا لتكييف وإنارة وتدفئة مقر التعلم أن يتم من خلال لقاء كمبيوتري سهل المنال يوفر كل هذا العناء ويحقق ذات المنافع.

أختم بأن الجوائح منح، وها هي كعادتها ما زالت تفرض علينا مراجعات من العيارين الخفيف والثقيل لكثير من الأمور الحياتية التي جعلنا منها ثوابت ذات يوم ومنها أنماط التعليم ومدى فاعليتها في تحقيق التعلم، وأنا متأكد أيضا أن التجربة سوف تنضج بمزيد من المراس الذي سيخلق سلالا من الأفكار ومثلها من الابتكار، والتي ستصب جميعا في حوض واحد مبتغاه خدمة الإنسان وتسهيل حياته ومواصلة إعمار الأرض بما يتواكب مع العقل البشري من تطور وتجدد وانطلاق.

لذا فنحن مطالبون بالتعلم ومطالبون بالفهم والإدراك، ولا يجب أن نشغل أفهامنا بأين سيكون الجسد بقدر ما نشغلها بأين سيكون العقل لاستقبال المعلومة والاستفادة منها، تمهيدا للانتفاع والنفع منها وبها مستقبلا!

dralaaraj@