عبدالله العولقي

الصراعات السيبرانية والتقنية وأثرها الثقافي

الخميس - 27 أغسطس 2020

Thu - 27 Aug 2020

انتقد كثير من الأكاديميين البروفيسور الشهير فرانسيس فوكوياما باعتباره لا يزال أسيرا للمدرسة الكلاسيكية ونظرتها التقليدية تجاه الحرب الباردة والذي يرى أن توازنات القوى النووية للدول العظمى تمنع قيام أي حرب نووية، متجاهلا أن نزاعات اليوم تتأجج بشراسة بين الدول والحكومات حول فضاءات فسيحة تسمى بالصراعات السيبرانية.

فلو تحدثنا عن فضاء التقنية وأبعاده الثقافية في الوطن العربي لوجدنا أننا وللأسف الشديد لا نزال أسرى للتوجهات الغربية، ولم نستطع خلق حالة ثقافية عربية في الفضاء التقني العالمي، فشركات التقنية الرائدة التي استطاعت أن تواكب العصرنة التقنية في الغرب تلاشت بسبب استحواذ الشركات الأمريكية عليها، فموقع سوق كوم الشهير أو تطبيق التوصيل الشهير (كريم) وعلى الرغم من نجاحهما الكبير في الأسواق العربية إلا أنهما لم يستطيعا الصمود أمام إغراءات الشراء الغربية!!.

اليوم يشهد العالم صراعا تقنيا محموما بين الولايات المتحدة والصين، صحيح أن جوهر الصراع يكمن حول مخاطر الأمن القومي ولكن هناك مخاوف تتعلق بالأثر الثقافي لا سيما من الجانب الأمريكي، فعندما نجح الأمريكان في تسويق الثقافة الأمريكية في بلدان الشرق الآسيوي كاليابان وكوريا الجنوبية والفلبين إبان الحرب الباردة، ظلت الصين عصية تقريبا على تقبل هذه الثقافة الوافدة، ومن جهة أخرى، ظل الصينيون المقيمون في الولايات المتحدة منعزلين في أحياء سكنية مخصصة في كل ولاية، وبهذا ظلت الثقافة الصينية عصية على الذوبان في المجتمع الأمريكي مما حدا بالأمريكان في مواجهتهم لهذا التعنت الصيني إلى استعمال أسلحة القوة الناعمة كسينما هوليود مثلا والتي صورت الثقافة الصينية في المجتمع الأمريكي بنمطية سلبية كالإجرام وعصابات المخدرات وغسيل الأموال كتوجيه ثقافي للرأي العام الأمريكي ضد التعنت الصيني أو باستعمال الكتائب الالكترونية وموجهاتها الثقافية على منصات التواصل الاجتماعي.

ومن جهة أخرى، حذر علماء المستقبليات من احتدام سباق التسلح التقني والسيبراني بين الحكومات بهذه الصورة العنيفة، كونه بدأ يشكل خطرا فادحا على مستقبل الوظائف البشرية، فقد رصد الباحثون انقراض ما يقارب من 700 نوع من الوظائف التي ستتحول إلى روبوتات آلية أو برامج مقننة تقوم بأداء المهام الوظيفية، عوضا عن الإنسان وبكل سرعة وإتقان وجودة، وهذا التحول الاجتماعي قد يشكل هدما ثقافيا في ذهنية الأجيال القادمة وانحرافها سلبيا ما لم تتلاءم المناهج التعليمية والمخرجات الدراسية مع متطلبات أسواق العمل وتتواءم مع حاجة البيئة المجتمعية، والأهم من هذا كله هو حدوث صدمة ثقافية قسرية داخل المجتمعات تجاه المفهوم الفعلي للشهادات العليا والدرجات العلمية التي أصبح بعضها لا يسمن في عالم اليوم ولا يغني من جوع!!.

وأخيرا، لقد تغيرت مفاهيم وأساليب الحروب عما عهدته البشرية من قبل، فصراعات اليوم تتأجج ميادينها في أعماق الفضاء التقني والسيبراني، وأصبح المستقبل مرهونا بامتلاك تقنية الاتصالات والبيانات المعرفية، لأنها وسيلة مثلى من وسائل القوتين الخشنة والناعمة، فهي بيئة خصبة لتدعيم الصناعات العسكرية والاستخباراتية، وأيضا هي وسيلة جذرية للتحكم في التوجهات المجتمعية، والتأثير الثقافي على الرأي العام.

@albakry1814