علي المطوع

تداعيات غزو الكويت

الاثنين - 03 أغسطس 2020

Mon - 03 Aug 2020

الخميس الثاني من أغسطس 1990، القوات العراقية تفاجئ العالم وتحتل الكويت وتنصب حكومة موقتة موالية لبغداد، في مشهد صدم به صدام كل من عاش وعايش تلك الأزمة وتلك الحقبة وذلك العدوان.

المقدمات التي هيأها البعث لذلك الحدث الجسيم لم تكن توحي لأكثر المتشائمين أن مآلات الأمور يمكنها أن تصل لما وصلت إليه، وجل الحكومات العربية وقبلها الشعوب لم يخطر ببالهم هذا الأمر، وخاصة أن الكويت كانت تقف مع العراق وتسانده إبان حرب الخليج الأولى والتي تجلى فيها وبعدها صدام والعراق كقوة إقليمية يحسب لها العالم ألف حساب، وللتاريخ فعبدالكريم قاسم ومع بواكير الاستقلال الكويتي أعلن أحقية العراق في الكويت، وأنها جزء لا يتجزأ منه، مستندا إلى بعض السياقات الاجتماعية والأحداث التاريخية المجتزأة التي ما زال البعض يراها دليلا على أحقية التبعية للعراق، إلا أن الجامعة العربية عندما كانت جامعة وقفت لتلك الأطماع وأوقفت ذلك العدوان الذي كان أول بواكير الاعتداءات العراقية على الكويت.

وبالعودة إلى أحداث ذلك الغزو نجد أنه كان حدثا مفصليا في ذاكرة الشعوب العربية قبل الحكومات وليس سرا إن قلنا إن كل الأحداث التي أعقبت ذلك الحدث وتعاقبت على المنطقة كانت من تداعيات ذلك الغزو ونتائجه التي فرقت الأمة العربية وما زال استحضارها يذكرنا بضعف الموقف العربي وهشاشته وعدم قدرته على صناعة واقع عربي ينأى بنفسه عن الآخرين.

التاريخ يقول إن السفيرة الأمريكية في العراق في ذلك الوقت رمت الطعم لصدام عندما أخطرته بعدم اكتراث أمريكا لأي نزاع يحصل بينه وبين جارته الكويت، البعض يراه فخا نصبته السفيرة لصدام، وقد يكون جوابا دبلوماسيا معدا مسبقا من ضمن الأجوبة التي على الدبلوماسي، وخاصة إذا كان بدرجة سفير أن يتسلح بها في مثل هذه المواقف الفجائية، لأن السفير الذي يمثل دولته يظل منفذا لسياسات الساسة وليس صانعا لها.

الموقف السعودي حينئذ كان في ذروة حضوره متجليا في شجاعة الملك فهد الذي أعلن صراحة وقوف السعودية وشعبها مع الكويت حتى تعاد إلى أهلها وهو موقف بني عليه كل ما جرى من أحداث سياسية وعسكرية لاحقة، كان محصلتها رد العدوان وعودة الكويت إلى وضعها الطبيعي كدولة عربية مستقلة ذات سيادة.

نستذكر هذه المواقف العصيبة من تاريخنا ونستشعر فداحة الأحداث التي تلتها في الشرق الأوسط وسرعة تغيرها ومآلاتها التي شهدت اليوم تغولا إيرانيا في المنطقة العربية وتراخيا أمريكيا ساهم في هذه الصورة المأساوية التي تعيشها بعض الشعوب العربية، بل وصل الأمر إلى تغير قواعد اللعبة بالكلية ومن صورها، أن أصبحت روسيا لاعبا رئيسا في المنطقة تحت سمع وبصر القوة العظمى الأولى التي آثرت الانحياز لآبار النفط والمكاسب الاقتصادية الصرفة في تحول وتحرر للدور الأمريكي الذي أصبح يؤثر ويرسم بأقل الخسائر الممكنة التي لا تزعج صناع القرار في البيت الأبيض ولا تهيج الشارع وإنسانه ولا تثقل الاقتصاد الأمريكي المترنح منذ زمن.

وإذا كان التغول الإيراني سمة الأعوام الماضية فهناك تغول تركي آخر لا يقل جسارة وأذى من الخطر الإيراني إن لم يكن أخطر منه، فهو اليوم في سوريا وفي العراق وفي ليبيا وفي القرن الأفريقي وربما اليمن، فالمشاهد تؤكد أن ما يجري في المنطقة العربية لم يعد شأنا عربيا بل أضحى صراع قوى عظمى وقوى أصغر تتنافس على الحضور ومناطق النفوذ في أرضنا، مستعينة تلك القوى بأدوار وظيفية لكيانات صغيرة جدا تحسب على المال وليس السياسة، ساهمت -مثلا- في الدفع بالحضور التركي ودعمه بطريقة تؤكد أن أمريكا المنضوية خلف مصالحها الصرفة تملك خيوط اللعبة وجل أوراقها ونهاياتها الطرفية في المنطقة كتلك الكيانات التي تدفع بسخاء لكل ما من شأنه شق الصف العربي واختلاف الكلمة، والدليل على ذلك أن الديمقراطيين بالأمس القريب أطلقوا العنان لإيران لتسرح وتمرح في المنطقة العربية، والجمهوريين اليوم يغضون الطرف عن النشاطات والطموحات التركية وقد يتماهون معها إن لزم الحال كما هو حاصل في سوريا وليبيا والعراق.

قبل ثلاثين عاما كانت قضايا العرب تنصب على فلسطين وشرعيتها وبعد الثاني من أغسطس عام 1990 عاش العالم العربي الكثير من الأحداث والمتغيرات التي أثرت على المجتمعات العربية نخبا وعوام، وغيرت الكثير من الرؤى والمفاهيم التي سادت في الماضي واليوم وفي ظل الأحداث الجسام أصبحت نسيا منسيا.

alaseery2@