ياسر عمر سندي

الصداقة وأشياء أخرى

الأربعاء - 29 يوليو 2020

Wed - 29 Jul 2020

يتزامن اليوم الخميس الموافق 30 يوليو 2020 مع اليوم العالمي للصداقة الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2011، لما لها من معان عميقة ومشاعر إيجابية تعين وتعاون على العيش والتعايش الإنساني بروح التقارب والمودة. والصداقة سلوك متعدٍ راقٍ لمن يبحث عن القوة والتآزر والزيادة في تقوية الأواصر وتعزيز المحبة واللحمة، كاستراتيجية داعمة تؤدي في نهاية الأمر إلى ترك آثار عالية التوقع تساعد على الإعمار والتنامي المجتمعي للأفراد والجماعات والكيانات، ومن أهم هذه الآثار تعزيز الجانب المعرفي والنفسي لسد الاحتياج الفطري، وللاستمرار بكل ما يضمن آلية التواصل البشري.

والجميع بلا استثناء على كل الثقافات والتعددات والأقليات، ومختلف الملل والنحل والسبل يحتاجون إلى من يتواءم معهم من خارج دوائرهم المألوفة، أي إنه من البديهي والفطري للإنسان أن تعتريه غريزة الفضول للوصول إلى المعرفة العامة، وللاطلاع على ما لدى الآخرين من مفاهيم وأفكار ومخترعات، لتحقيق مبدأ الاستخلاف والتعاقب البشري لإعمار الأرض.

ومنذ أقدم العصور والمجتمعات البشرية تسعى إلى التواصل فيما بينها عن طريق الرسومات والنقوش والكتابات، لتعزيز الصداقة وتحقيق المنفعة. والمولى عز وجل ذكر هذا الجانب في محكم تنزيله كمنهج رباني قويم وسنة اجتماعية مستدامة، لتحقيق هدف التعارف، والذي تعكسه الآية الكريمة «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا» سورة الحجرات الآية 13.

فالأساس في الروابط والعلاقات هو تكوين الصداقات التي يجب أن يعتريها معيارا الاحترام والالتزام. وهذان في رأيي الخاص يمثلان المحددين لأي علاقة آنية ومستقبلية، ومنهما تنطلق بذرة الصداقة الحقة، وترتقي ويشتد عودها إلى أن تصل لمرحلة جني الثمار، وهو التبادل والتشارك المعرفي.

وفي الدورة الـ 65 لانعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، دعت جميع الدول الأعضاء ومؤسسات منظومة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية، إضافة إلى المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والأفراد، إلى الاحتفال باليوم العالمي والمثبت منذ ذلك الحين في 30 يوليو من كل عام، لإحياء مفهوم الصداقة بحسب الثقافة السائدة لكل مجتمع ودولة، وترك الحرية في ذلك لتمكين العالم بأسره من توثيق هذه المناسبة وتعميمها، عن طريق المساهمات الدولية والأنشطة التطوعية والاحتفالات الفردية، لتصبح الصداقة أسلوب حياة ونمطا اجتماعيا بين الدول والحكومات والمجتمعات والأفراد.

ومن وجهة نظري السلوكية والمعرفية أرى أن الصداقات تختلف بحسب الجهات والغايات، وتتباين بحسب الفلسفات والثقافات أيضا، هذا من الناحية الرسمية ومن المنظور العرفي السائد، والصداقات لها أربعة ميادين تمارس فيها وتسقط عليها وهي:

  • الصداقة الشخصية، وهي على مستوى الدائرة الأصغر حجما وعلى الجانب الفردي بين البشر، وقد تنشأ بين مختلف الجنسيات والديانات؛ بين رجل وآخر، أو بين سيدة وسيدة، أو بين سيدة ورجل، وهذه الصداقة تعزز نتيجة موقف إيجابي معين، إلى أن تصل في نموها وتطورها حد الأصالة والالتزام والاحترام.

  • الصداقة المجتمعية، وهي على مستوى الدائرة الأوسع حجما، وتكون بين مجموعة من البشر في أماكن وأقاليم عدة، وتنشأ على المستوى البدائي والمتمدن، ويجري من خلالها عقد التحالفات والتعزيزات، وقد ترتقي إلى التبادل المعرفي والمجتمعي، كالزواج والتعليم والتدريب، ونقل مفاهيم المأكولات والمشروبات والملبوسات.

  • الصداقة الدولية، وهي على مستوى الدائرة الأكثر توسعا، سياسيا وثقافيا، حيث تقوم على أساس المصلحة والمنفعة المتبادلة، فقد يصبح عدو الأمس صديق اليوم إذا تغيرت التوجهات وتبدلت المصالح واتحدت الأهداف، فينشأ جراء هذه الصداقة تعزيز للقوى الدفاعية وتحديدا للمصير في سن القوانين والتشريعات، وتوقيع الاتفاقيات وتثبيت الوثائق والعقود ورسم الحدود الدولية الملزمة.

  • الصداقة البيئية، وهي على مستوى الدائرة العامة العالمية، وتكون بين الإنسان ومحيطه، من الحجر والشجر والجمادات والحيوانات والحشرات، للتخفيف من انبعاثات الطاقة للحفاظ على البيئة بعوامل صحية، والتمكين لإنتاج اختراعات مستدامة تساعد في ذلك.




وهذه الميادين الأربعة للصداقة تفسر مفهوما أصيلا يجب الالتزام به وتبنيه وفهمه واستيعابه من الجميع، ويدرس كمنهج واستراتيجية دولية في المؤسسة التربوية الأولى وهي الأسرة، والمؤسسات المساعدة كالمدارس والمعاهد، والجامعات، للمواد الدينية والسياسية والنفسية والاجتماعية، وأن يعمم أثرها الإيجابي على جميع أيام السنة، وليس على يوم واحد فحسب، فالصداقة تتضمن أشياء أخرى عميقة.

Yos123Omar@

(دكتوراه في السلوك التنظيمي والمعرفة)