أحمد الهلالي

سيطرة المشايخ على رؤيتنا للعالم!

الثلاثاء - 21 يوليو 2020

Tue - 21 Jul 2020

منذ اجتياح الصحوة للمجتمع السعودي غيرت كل تفاصيل حياتنا الاجتماعية والفكرية والثقافية، وغيرت نظرتنا إلى الحياة والعالم، بل صبغتها بلون واحد، من وافقه فهو صديق حميم، ومن خالفه هو العدو المبين لأنه يعادي الله ورسوله!

وظل هذا الطرح ممتدا طيلة العقود الخمسة الماضية عبر المدارس والمساجد والمجالس ووسائل الإعلام الرسمية والخاصة، ومن يخالفه من (النابهين) مجرّم في نظر المجتمع حتى لو كان أقرب الأقربين.

لا يستغرب مطلقا أننا تعاطفنا مع كل قضايا الإسلاميين، وكنا نفرح ونبتهج بكل تقدم يحققونه في كل بقعة على وجه الأرض، سواء في معاركهم الفكرية أم الحربية أم السياسية، وقد مجدنا كثيرا من رموزهم، وكنا نتعاطف مع خطابات (الإخوان المسلمون) ونؤيد شعارهم (الإسلام هو الحل)، ونتمنى أن ترفعه جميع الشعوب الإسلامية، فنحن نؤمّن أسبوعيا على دعاء الخطيب: (اللهم وفق ولاة أمر المسلمين إلى تحكيم شرعك، والعمل بكتابك وسنة نبيك).

من جهة أخرى فأغلب الناس لا يعرفون عن حركة الإخوان المسلمون إلا أنها «حزب إسلامي مصري أسسه حسن البنا، هدفه الحكم بشرع الله بدلا عن الأحكام الوضعية، وأن الضالين في مصر يعادون (الإخوان /الإسلام)»!

يتبع هذا الفهم دعاء بالهداية للرئيس مبارك، وهذا التعريف تشرّبته الذهنية من حديث علماء ووعاظ الداخل على المنابر والإعلام الرسمي والخاص، وظلت الذهنية مطمئنة إليه، تغذيها خطابات رموز التنظيم المتداولة التي تلامس عواطفنا الإسلامية المتوهجة، والمتعطشة إلى أصوات تحذر الناس من المؤامرات على الإسلام وعلى الأمة، ونحن لا نشعر مطلقا بالفرق بيننا وبين الإخوان، فأكثر العلماء توجسا، إذا سئل عن التنظيم أجاب: (جماعة مباركة، لكن عليها بعض المآخذ)، ومنها إجابة الشيخ ابن باز الذي امتدحهم، وتمنى عليهم أن ينشطوا في تفاصيل الدعوة لتنقية الإسلام من شوائب الشرك والبدع، ولم يتطرق للجانب السياسي.

وحين انقدحت شرارة الربيع العربي في تونس، ثم في مصر، وركب الإخوان الموجة، لهج الدعاة والوعاظ في السعودية بالتكبير والتهليل حين تسنم الإخوان قيادة مصر، وكانت العواطف منتشية بالفتح الإسلامي الكبير، وجاءت أول زيارة للرئيس مرسي إلى السعودية لتزيد استبشار الناس بأن مصر تسير في الطريق الصحيحة، وأن العز الإسلامي قد أشرق، ظهر ذلك حتى في الخطب والتحليلات الإعلامية على القنوات والصحف والمواقع السعودية والعربية، وما يزال موجودا.

وفجأة!! يتغير كل شيء، وتتكشف الأوراق بغير ما كان الناس يعرفون عن «الإخوان المسلمون»، وقد ابتدأ السياسيون في كشف الأوراق وإفشاء الأسرار، والصدمات تتوالى على عواطف الناس، وهم بين مصدق ومكذب، فمن الصعوبة أن تنسف نصف قرن من حشد مثالية الإسلاميين في الذهنية، ومن المستحيل أن تشطب كل شعاراتهم البراقة في أخبار مقتضبة، أو مواقف سياسية تحتمل وجوها شتى، ولا غرابة أن تجد مواطنين كثيرين متعاطفين مع التنظيم ومع مرسي، وتمترسوا خلف عواطفهم عن قبول الطرف الآخر، وكان بعضهم يرى - جهلا - أن من الشجاعة ونصرة الحق أن يلصق (شعار رابعة الشهير) في معرفه!

أخيرا، في مارس 2014 صنفت السعودية عددا من التنظيمات، من ضمنها جماعة «الإخوان المسلمون» حركة إرهابية محظورة، وهذا التاريخ هو المفصل الحقيقي في التعاطي مع الجماعة، وله أهمية قصوى لدى المجتمع السعودي من وجهتين، الأولى: تحذير الناس من اعتناق أفكار التنظيم أو التعاطف معه، والثانية: أن رموز التنظيم في الخارج ألقوا بالأقنعة وكشروا عن أنيابهم تجاه السعودية إلى درجة الدعوة إلى تأميم ثروات المجتمع السعودي، والتعدي الصارخ على الرموز الوطنية والدينية السعودية، وما يزالون يهاجمونها بشراسة، على النقيض مما كنا نرى أو نسمع قبل الدعم السعودي لثورة 30 يونيو 2013.

واليوم ونحن في منتصف 2020، وقد تكشفت لنا كل الأوراق المتعلقة بهذه الجماعة وما حاكته من دسائس ومؤامرات ضد بلادنا، وما نراه من توزيع ولاءاتها لكل من يسيء إلينا، وأنها مطية للمتآمرين، وما نسمعه من قرارات الدول العربية (تونس، مصر، الأردن، الكويت) وغيرها ضد الجماعة، كل ذلك يؤكد أن بلادنا محقة، وأننا نسير على الطريق الصحيحة، فالفكر الإخواني يستغل عواطفنا الدينية للوصول إلى مآربه السياسية، وحين فشلوا نصّبوا (الواهم) إردوغان خليفة، نكاية بالدول والشعوب، فأي (إخوان) هم، وأي (مسلمون)؟!

ahmad_helali@