شاهر النهاري

صخرة الروشة ارتدت العمامة

الاثنين - 20 يوليو 2020

Mon - 20 Jul 2020

صوت سفيرة النجوم ظل يتموج بعذوبة نبع صاف من قمة جبل ثلجي ينشد غسيل القلوب الوطنية الطاهرة ويحكي التاريخ والتنوع والجمال: لبيروت من قلبي سلام لبيروت، وقُبَل للبحر والبيوت، لصخرة كأنها وجه بحار قديم، هي من روح الشعب خمر، هي من عرَقهِ خبز وياسمين، فكيف صار طعمها، طعم نار ودخان، لبيروت مجد من رماد، لبيروت، من دم لولد حُمِل فوق يدها. أطفأتْ مدينتي قنديلها، أغلقت بابها، أصبحتْ في المسا وحدها، وحدها وليلُ.

قصيدة نحتها الشاعر جوزيف حرب، أيقونة عريقة مدهشة حزينة عميقة، تحكي بلحن الرحابنة المتجسد بالوطنية عن وطن صامت شامخ وهو يتلقى كصخرة الروشة صدمات المجهول وسط الأمواج المتلاطمة.

قمة الشتات والوحشة يعانيها لبنان منذ أربعة عقود، التمعت بداياتها ببروق أحرقت خضرة الأرز وأعمت الأعين، وطوت الحقائق بدخان خدعة المقاومة التي أدخلته في سراديب الوهم والعودة، والتقية، وجعلته رهينة رخيصة لثورة فارسية كئيبة منغلقة تعادي الجمال وتذبحه، بدوافع غل وإصرار على تشويه تاريخ ومستقبل هذا الوطن العابر لعصور الاحتلال القديمة بطعم ورائحة ولون الجنات، وموقع جغرافي فريد، وعلو إنسان جعلها تدوم شامخة عاصمة الرقي والموضة والسلام والتنوع وتلاقح الثقافات، كل هذا قبل أن تقرر عناكب إيران نسج مخدع لسوادها في جنوبه، وتحريكه بأيديولوجيتها المريضة، الكارهة للنور المتحفزة للدماء والثورة والشتات، ليصبح لبنان ذراعها الملتهب الأطول والأعنف، بعد أن مسخت هويته الوطنية وأزهقت روحه العربية، وسلخت عنه كل جمال وسلام ورخاء وتنوع، وجعلته ثكنة حقد ونار ودسائس وفتن، ناذرة شبابه المغرر بهم قنابل متفجرة للعراق وسوريا واليمن والكويت، ومختلف أصقاع الدنيا، يحيكون الشر فداء لكرسي الولي الفقيه في طهران!

لبنان الديمقراطية والثقافة والتنوع الفكري والبشري لم يعد كذلك اليوم، لأن من يوالي إيران وتتولاه يتحول إلى قاتل مأجور، ومن يطلب عزة نفسه وسلامها يصبح يخشى الكلام والوقوف محتجا في الشارع الذي لم يعد آمنا بقتلة همجيين يجولون بمركبات ذات عجلتين، بعضلاتهم المفرودة وأسلحتهم، ملفوفي الوجوه بسواد الولاء لإيران، والخوف والجوع يطوي الشعب اللبناني الذي فقد خدماته وأعماله، وضاعت مقتنياته في بنوك سوداء تعزز أوامر من يتمكنون من تهريب المليارات، ولا عجب، فقيمة الليرة تتردى للقاع الذي يأتي بعد عشرات القيعان.

الحكومة ملفقة مخترقة ضعيفة، وحزب الله هو الحاكم الفعلي، وبقية زعماء الأحزاب أغلقوا دون أتباعهم البوابات ورضوا بالقليل اتقاء للشر، فكأن الزمن يعود للعصر الهمجي، حينما كانت الكهوف ملاذ الجماعات، وحصن اتقاء الغزاة.

معاهدة الطائف كانت محاولة لإعادة المسار نحو الضياء والسلام، واحترام الطوائف لبعضها ولمعتقداتها وعدم التعدي والطغيان، وكان هذا قبل أن تنفلت البكرة النارية ويلتقطها الشيطان.

خطوط العودة احترقت بعد تفجير الرئيس الحريري، وسط شيوع حياة خوف وتفرد وعداء وتخاذل، وتعنت حزبي، وغياب للأمن والجيش، وفراغ في السلطة، ومشاركتها في النهب والفساد، وليس اليوم كالأمس، وعلى عينك يا تاجر، بعد أن انتحر أمل الإصلاح أمام صخرة الروشة.

كل حراك الشعب وخروجه للشوارع واحتجاجاته وشعاراته لم تعد تعطي نتيجة، ولا يبدو أنها ستعطي ضمن الأوضاع المريضة المعقدة الحالية، وحتى صخرة الروشة ارتدت العمامة السوداء، وغطت وجه البحار المرتعب يا فيروز!


alnahariShaher@