محمد أحمد بابا

المجتمع والشهادة

الاثنين - 20 يوليو 2020

Mon - 20 Jul 2020

في القواعد الشرعية قطع بأن الشهادة من الدين في مجالات عدة، فلا دين من غير لسان يشهد على ما في القلب بأن (لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) والشهادات في الخلاف العقدي معتبرة (قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم) بل إن الشهادة منبع القناعة باللوم الرباني (وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم) والشهادة مؤداة من كل نبي على قومه (وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) والإشهاد فلسفة ثبات الحقوق (وأشهدوا ذوي عدل منكم) والاستشهاد مطلب الفقه في المعاملات (واستشهدوا شهيدين من رجالكم).

والواضح أن فحوى الشهادة ذو عمل في الناتج (فإن شهدوا فأمسكوهنّ في البيوت) وثبت بأن في تمايز الشهادات فن التقاط الحق (فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما)، وفي الشهادة مقصد شرعي عظيم لدين يقوم بها بداية ونهاية (وأقيموا الشهادة لله)، ولا خلاف على أن إخفاء الحق الذي يظهر به ما للآخرين من واجب عمل أو فعل أو ماديات ظلم وإثم (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) لنعرف حينئذ بأن مبدأ الشهادات مرتبط بالقلب قناعة وعلما وأداء، فالشهادات بنات العلم (ما شهدنا إلا بما علمنا) والشهادة على النفس من أعظمها (واشهد بأننا مسلمون) والشهادات ربان العدل (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم).

أما اليوم فإن فساد الذمم والقلوب والضمائر يجعل الفكر يسترخص مبدأ الشهادات فقها وعقيدة لاحتمالية الكذب والتزوير، فيطغى ذلك على المجتمع مانعا من خير كثير، ومغيبا أصلا من أصول مقاصد الشرع باحثا عن ماهية الصدق، ليضيع الوقت في أمد يبقى فيه كثير من الناس تحت ظلم بيّن.

ومتغيرات الأحداث وجرأة بعض على نقمة أن يقول فم الحق أظهر ذلك تقاعس كثير عن تحمّل الشهادة أو أدائها استحبابا أو وجوبا، خوفا من المساءلة أو الملاحقة أو خوض غمار رعاية الحقوق، فاكتفوا بـ «لا أدري» ظنا أنها المنجية، ليكون تغير الحال والزمان والفكر وحده هو فرس الرهان، ويتأخر تثبيت مقصد الشارع الحكيم في الشهادات عن مواكبة ما يدين الناس به ربهم.

مع أن عصرنا الحاضر في حاجة ماسة لأن يسبر أغوار الشهادات علماء وفقهاء ومفكرون في مرامي واسعة وميادين شتى لا تقتصر على شاهد في قضية جرم، أو شاهد على نكاح، فالأمر من ذلك أكبر وأعظم حين يستقر في الأفهام أن الدين كله قائم على شاهد واحد هو رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ابتداء حين صُدّق في أمر الوحي، وانتهاء حين يستشهده ربه على أمته.

وفي منحى أننا نشهد بوحدانية الله رغم استغناء ربنا القدسي عن ذلك أمر عظيم رباني لمن يريد استقامة مجتمع مسلم بثقافة صدق لا تنفك عن كل ما يخرج من كلام أو خبر، وزرع الثقة في قبول الشهادة مع تحمل مسؤولية الخطأ هي بداية الطريق نحو تغير أظنه محمودا في هذا الصدد، والمجتمع والرأي العام والإعلام والفكر والثقافة والتواصل كل أولئك شهود إن صدقوا وصُدّقوا.

albabamohamad@