عبدالله الأعرج

ماذا بقي لنا من النهار؟

الاحد - 19 يوليو 2020

Sun - 19 Jul 2020

في مقال نشرته BBC عام 2017 قال راسل فوستر، الأستاذ في مجال النوم بجامعة أوكسفورد «منذ إنتاج توماس إديسون لأول مصباح تجاري رخيص، تمكنا من غزو الليل بتكلفة منخفضة، وكان النوم هو الضحية الأولى».

ولو كان السبب الأوحد للسهر ليلا والنوم نهارا هو العمل لكان من المنصف أن نباهي بعيون لا تنام من أجل أن تنام عيون أخرى! بيد أن هنالك من الهدر الإنتاجي بسبب السهر السلبي ما يكلف المملكة المتحدة على سبيل المثال 40 مليار جنيه إسترليني كل عام!

وحين ينام الفرد ثلثي النهار أو أنقص من ذلك قليلا - دونما سبب مقبول - في وقت سطوع الشمس وحركة البشر وتقاطر الأشغال وتزاحم الأقدام في مناكب الأرض ثم يستيقظ على ما بقي من نهاره المشطور مترنحا بين البحث عن غذائه والتخلص من كسله والمسابقة للحاق بمشاغله؛ حينها يكون الحكم بأن مجتمعا من هذا النوع مجتمع مشلول ذو اقتصاد بائس وإنتاجية شبه منعدمة!

وكم كان الاستغراب الذي يصل إلى حد الاستنكار ملازما لمن بقي من أسلافنا العاملين والكادحين وهم يشاهدون بحسرة أجيالا جديدة لا تعترف ببركة البكور ولا تردد «الصباح رباح» ولا تؤمن بأن من «طاب نومه زان يومه»!

ويبرز السؤال الأهم: ما الذي جرى لكي تخالف بعض الأنفس البشرية نواميس الكون التي تلتحف الليل وتنتشي بالنهار؟ وهو سؤال غاية في الأهمية يظهر لي أن إجابته تأتي من ثلاثة أوجه إذا استبعدنا الحالات المبررة من مرض وعمل وغيرهما:

أولها: تغير نمط الحياة داخل محيط الأسرة، وذلك لطغيان ثورة الاتصال والتواصل الذي كان ينحسر بعد صلاة العشاء في البيوت الخليجية، بحيث لا يوجد من يتواصل أو يتصل بالآخرين بعد التاسعة مساء على الأغلب. هذا الأمر انكفأ أمام إغراءات أجهزة التسلية وثورة الأجهزة الذكية وصرعات التطبيقات التواصلية التي تلازم الكبار والصغار إلى ساعات الصباح الأولى، قبل أن يصرعهم الإجهاد ويخلدهم قسرا إلى النوم!

وثانيها: التطور المزعج للنظام الحضري في المدن فالشوارع المضاءة والمقاهي المفتوحة لأوقات متأخرة والاستراحات المدججة بوسائل الترفيه والحدائق المفتوحة للناس ليلا والولائم المتأخرة في المناسبات الاجتماعية من أعراس وحفلات تخرج وغيرها؛ لها أيضا نصيب وافر من هذا التبدل في نواميس الحياة!

وثالثة الأثافي: الأعراف المجتمعية البليدة التي تصف نائم الليل مبكرا بما لا يليق، وتمجد بطولات متأملي القمر ومنادمي الظلام وعشاق السمر وأبطال الصحراء والجبال ليلا، لا للمنفعة وإنما لاصطياد كنوز البيئة من مخلوقات الله حين نومها والظفر بها حين استكنانها!

ولأن الحقائق والنواميس لا تحول ولا تزول فإنني أذكر عشاق الليل المؤمنين بأهمية الصحة أن الدراسات المثبتة علميا وبحثيا تشير إلى أن كثيرا من أمراض القلب والأوعية الدموية وزيادة الوزن والسكري من الدرجة الثانية، وقلة التركيز والإجهاد الدائم وغيرها كثير، ترتبط جميعا بالسهر الطويل.

أختم بتذكير نفسي وغيري أن رباعيات (عمر الخيام) التي جاء في أبياتها:

أفق خفيف الظل هذا السحر.. نادى دع النوم وناغي الوتر، فما أطال النوم عمرا.. ولا قصر في الأعمال طول السهر؛ خطيرة جدا على الصحة من حيث المعنى بقدر جمالها من جهة المغنى، فاحذروا!

dralaaraj@