محمد الأحمدي

سباق بين الإبهام وحدقة العين

الثلاثاء - 14 يوليو 2020

Tue - 14 Jul 2020

شكك اللغويون في عدد أصابع اليد الواحدة، معتقدين أنها أربعة وليست خمسة أصابع. فحين الرجوع لقواميس اللغة الإنجليزية تجدها تستثني ربط الإبهام بكلمة إصبع مقدمين الشكل والصفة عن الوظيفة. لكن الأطباء لا يرون كما يرى اللغويون، فمعاييرهم مختلفة، ولذا الإبهام من أصابع اليد وإن اختلف شكله، شاء اللغويون أم أبوا.

بهذا تميز الإبهام عن رفقائه الأربعة. فبالنظر إليه دون الحاجة لمجهر التشريح تجده أقصرها، ولكنه أعلاها في الشأن، فهي ذوات ثلاث سُلاميات - جمع سُلامَية - ورابطين عصبيين ليجمعها، والسيد المختَلف عليه ثنائي السلاميات أحادي الرابط. تعلمون أن السلاميات عظام طويلة اكتسبت صفتها من أن طولها أكبر من عرضها.

المهم أن الإبهام متفرد في شكله وحتى في وظيفته المنوطة به مؤخرا!

أصبح تفرده بين رفقائه ميزة منحته سلطة التعريف بهوية صاحبه عند الحضور، وأتاح للمسؤول متابعة حضور الموظفين عن بعد في كثير من المنشآت. وبهذا فقد طويت صفحة القلم والورقة التي يعقد قرانهما دون مأذون بشريط لاصق حتى لا يجد الموظف عذرا في عدم التوقيع.

هذا قبل أن يحل السيد الفيروس بالعالم، فيمنع التلامس الجسدي البشري وغير البشري، ويفرض عزلة ذاتية على اليد قبل الجسد، وفرض الحجاب اليدوي على الكف بأكملها، دون اعتبار خلاف اللغويين والأطباء، فعزل مهمته العامة واستبدلها ببصمة خاصة عبر تطبيق الحضور من الهاتف الشخصي، وربما يعود ليمارس نشاطه إذا لم تغر منه حدقة العين، فتنتزع تميزه في التعريف بهوية وخدمة صاحبها دون اللمس، وبالتالي الاستغناء عن مصافحة الإبهام وإخوته لأجهزة مسح بصمة اليد.

خدم هذا الإصبع - في حال تقديم رأي الأطباء في التسمية، وهم الأولى في اتباع نصائحهم في ظل هذه الظروف على الأقل - الإنسان ابتداء من حمل المستندات والوثائق التعريفية في كثير من المواطن. وحريّ به أن يخدمهم في جميع شؤونهم، من بصمة تشغيل محرك السيارة إلى برمجة جهاز التكييف قبل النوم.

وهذه الأيام نلمس فائدة الربط التقني والتكامل بين المؤسسات الذي سهل للناس حياتهم اليومية، ونظم الخدمة لصاحب القرار وللمستفيد، وما خدمة الدفع عبر الخدمة اللاسلكية في نقاط البيع أو الدفع عبر الجوال التي فعلت للحد من انتشار فيروس كورونا إلا خير دليل على خدمة الناس والحفاظ على مصالحهم.

هنا تجربة! قد لا يخلو شخص من المرور بتجربة فقد المحفظة الفقيرة من النقود العينية في ظل التعامل المالي الرقمي، والمحملة بكروت البطائق البنكية، وبطائق الخدمات الحكومية التي تتزاحم مختفية داخل ذلك الجلد المصبوغ الذي قد يزيد ثمنه عن ثمن ما يحويه من مواد إذا لم نلتفت للمدلولات الأخرى. فيا ترى هل بقيت حاجة للبطاقة البنكية التقليدية؟!

إحلال بصمة الإبهام أو حدقة العين التي تتوافق مع التباعد الاجتماعي في هذه المرحلة محل البطاقة التقليدية يرفع الأمان المالي، ويخلص العميل من قلق فقدانها، وربما يقلل على البنوك عناء طباعة البطائق الممغنطة وتوزيعها عبر البريد، واستبدال ذلك ببصمة الإبهام أو حدقة العين حين تحويل محنة كورونا إلى منحة للتطوير والتجديد. القادم حتما سيستبدل محفظة الجيب المليئة بالبطائق، ويحرر قطعة القماش التي تحيط بالجانبين، ويخفف أعباء الكتفين المثقلين من حملهما، وقد يجد الخياط طريقة لتصاميم الثياب الخالية من الجيوب.

فكما تخلص الجيب القماشي من حزمة المفاتيح، سيتخلص من كل ما حمل ليستبدله برقم سري أو بصمة أصبع.

آسف! لا، باختلاسه نظرة تتسلل عبر الأثير لتلامس نون العين التي قد قيل فيها تعبيرا عن التقدير والاحترام والوفاء من عيوني، وستصبح طلباتك تنفذ من عيونك. فتُحوّل العين الجميلة المبالغ المالية، وتصرف النقود من الصراف البنكي، وربما تسجل الحضور والانصراف للموظف، ليس من جهاز صغير ملصق في مدخل المؤسسة، وإنما من على مكتب الموظف حين انصراف نونه عن شاشة جهاز عمله الذي يدير مهمته المنوطة به.

السباق في التقنية ليس كسباق السلحفاة والأرنب، بل منافسة كتسابق البيانات في الألياف الضوئية. ستتحقق خدماتك من عيوني!! فلننتظر وإياكم تطبيق «من عيوني» لتفعيل بصمة العين في التعاملات المختلفة.

@alahmadim2010