سالم الكتبي

مغزى التهافت التركي على ليبيا

الاحد - 12 يوليو 2020

Sun - 12 Jul 2020

أعرف - بحكم خبرتي البحثية - الدوافع والأسباب والأبعاد الاستراتيجية التي تقف وراء تحرك السلطان إردوغان في ليبيا وإصراره على توريط الجيش التركي في مستنقع يبعد عن حدود بلاده آلاف الأميال، ولكني طالعت أخيرا تقريرا إعلاميا تركيا يمكن وصفه بأنه نموذج مثالي لشهادة شاهد من أهلها على نوايا السلطان إردوغان!

التقرير أوردته وكالة أنباء «الأناضول»، واستعرضت فيه كنوز ليبيا من موارد طبيعية وثروات، حيث ذكرت أنها بعدد سكانها المحدود تملك احتياطات هامة من معادن وخامات بعضها نادر، وهي في حاجة إلى استثمارات كبيرة وتقنيات متطورة للاستفادة منها.

قالت «الأناضول» في تقريرها المنشور على موقعها إن ما تزخر به ليبيا من ثروات طبيعية كان سببا «منذ القدم لجعل هذا البلد محل أطماع دولية»، وكأن السلطان قد دفع بمرتزقته وميليشياته وقواته وعتاده إلى ليبيا من أجل الدفاع عن هذه الثروات وحمايتها حرصا على مصالح الشعب الليبي وليس رغبة واضحة في نهب هذه الثروات والاستفادة منها واستغلالها في إنقاذ الاقتصاد التركي المتداعي!

يقول التقرير إن ليبيا «ليست مجرد صحراء شاسعة جنوب البحر المتوسط لا تنتج سوى النفط وقليل من الغاز كما يعتقد البعض، بل تملك ثروات معدنية هامة لكنها في أغلبها غير مستغلة، على غرار الذهب واليورانيوم والحديد الخام وغيرها من المعادن»، ورصدت أن هذا البلد يزخر كذلك بـ«احتياطات منجمية هامة خاصة من الجبس والحديد، اللذين يدخلان في تصنيع عدة مواد متعلقة بالبناء، على غرار الحديد الصلب، والاسمنت والزجاج، والسيراميك».

وأوضح التقرير الإعلامي التركي أن ليبيا بما مرت به من اقتتال في عام 2011، وما عانته من حصار اقتصادي دولي قبل ذلك «تحتاج إلى إعادة إعمار واسعة، خاصة أنها بلد مصدرة للنفط والغاز، وتمتلك احتياطات هامة بالعملة الصعبة، إضافة إلى مصانع للحديد والصلب والاسمنت، ناهيك عن مناجم خام الحديد والجبس ورمال السيليكا»، مشيرة إلى أن إعادة الإعمار في هذا البلد لا تتطلب إلا «توفر حد أدنى من الأمن»، مما يعني بوضوح ومن دون مواربة أن السلطان قد ذهب إلى ليبيا بغية نهب الثروات وتوفير فرص عمل للشركات التركية المفلسة بسبب العزلة التركية الناجمة عن سياسات إردوغان!

يبدو التقرير في بعض مقتطفاته وكأنه دراسة جدوى أو منقول من دراسة جدوى تم إعدادها خصيصا لإقناع البعض أو لتبرير بعض دوافع الخطوة التركية باتجاه ليبيا، حيث وضع التقرير ما يشبه الخطة التي تبدأ باستعادة الاستقرار في ليبيا، ثم «استقطاب الشركات الدولية ذات الخبرة لإعادة إعمار ما دمرته الحرب، بالتوازي مع ذلك فتح الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي، والتركيز على قطاعات الكهرباء والبناء والأشغال العمومية، في المرحلة الأولى، بالنظر إلى أهمية تشييد البنية التحتية التي يقوم عليها اقتصاد الدولة».

وينقل التقرير عن وكالة الطاقة الأمريكية أن مخزونات النفط الصخري الليبي «رفعت احتياطات البلاد من 48 مليار برميل إلى 74 مليار برميل، مما يجعلها الأولى عربيا من حيث احتياطات النفط الصخري والخامسة عالميا، بعد روسيا والولايات المتحدة والصين والأرجنتين». واللافت هنا أن تقرير الأناضول يشير إلى أن مخزونات هذا النفط الصخري توجد في شمال غرب ليبيا وفي جنوبها الغربي، وهي مناطق تمركز الأطماع التركية المتواطئة مع حكومة السراج!

التقرير يتضمن أرقاما وإحصاءات لافتة حول احتياطات الغاز الليبي وموقعها وترتيبها أفريقيا بالنسبة للدول المنتجة للغاز، واحتياطات خام الحديد واليورانيوم، أيضا متهما فرنسا بأنها تطمع في هذا المخزون! ومحذرا من نهب الذهب الليبي والعناصر النادرة في التربة (تدخل في صناعة الخلايا الضوئية والهواتف الذكية) قرب مثلث الحدود الليبية مع مصر والسودان.

هذا التقرير الإعلامي التركي هو بحد ذاته شهادة على نوايا الغزو التركي للأراضي الليبية وأهدافه الحقيقية، فضلا عن رغبة دفينة تحركه في غرس نظام ليبي موال يمثل شوكة في خاصرة الدولة المصرية، فهذا التقرير قد بث بهدف لفت الانتباه إلى أهمية ليبيا استراتيجيا، وتبرير اهتمام تركيا بالدفاع عنها، ولكنه يمثل بالمقابل وثيقة إدانة كاشفة لأطماع إردوغان في ثروات الشعب الليبي.

salemalketbiar@