ياسر عمر سندي

الحظ الفاشل والبخت الجاهل

الأربعاء - 08 يوليو 2020

Wed - 08 Jul 2020

حدثني عن الحظ أقل لك من أنت. كثيرا ما أتفاعل عندما يثار أمامي موضوع الحظ ضمن الحوارات الجانبية مع بعض الأصدقاء أو المقربين، ونتبادل الأخذ والرد، ونشبعه سجالا من نصيب وقتنا المحدد على جملة زمننا الممتد، وأجد البعض يرى أن الحظ كأنه صندوق من الكنز تم اقتناؤه من قبل مجموعة معينة تمتلك الكرامات، أثرت على الآخرين، الذين يتبنون خرافات وخوارق البخت ويتعاملون بوهم الحظ، مما سبب لدى الفئة الأولى الفتح العظيم، ولدى الفئة الثانية الانغلاق الأليم، ويرددون جملة «حظي عاثر وسيء»، وعلى النقيض من ذلك في وصفهم للفئة الأولى بأنهم «محظوظون».

ما أسمعه من عبارات في مجتمعاتنا، خاصة في مسألة التعاطي مع فكرة الحظ، أجدها تنتمي إلى عديد من الموروثات والمعتقدات، والتوجهات المبنية على التنشئة الوالدية في التأسيس للمراحل الأولية، أو المسايرة المجتمعية للمراحل المتأخرة العمرية، أو كلا هذين العاملين في التدخل لبناء الشخصية على المستوى الفردي، والنمو العقلي على المستوى الجمعي، والذي يعزز ويدعم التحيز الفكري، والتوجيه العمدي.

ومن خلال الأمثلة الشعبية المتداولة، على سبيل المثال «حظ أعطني وبالبحر ارمني»، وهذا أشهر مثل موروث في أوساطنا العربية، يعطي الإيحاء بقوة الحظ، وهالته التي تستحوذ على الشخص وتنتشله، أكثر من القدر الإلهي والمعرفة والمهارة التي تساعد الشخص على السباحة والنجاة.

وهنالك بعض الثقافات العربية، يتداول أبناؤها مصطلحا مشابها لمفهوم الحظ، ويرادفه في المعنى وهو «البخت»، ويطلق في حال تحقيق المكاسب والمناصب في حياة الفرد، فيصفونه بالمبخوت أو الباخت أو البخيت، وهذان المصطلحان الدارجان «الحظ والبخت»، يعكسان ما يسمى في علم النفس الاجتماعي بالحالة السائدة للجماعة المرجعية، والتي يكون لها التأثير نفسه، ويتحملون كذلك المؤثر نفسه في التفاعل؛ جراء النمط السلوكي المتبادل، فأحيانا تنتقل العدوى السلوكية في المجتمع الواحد وتمتد إلى مجتمعات مجاورة من خلال تبني الفكر والإيمان به، والحظ والبخت من الأمور التي باتت متأصلة ومتجذرة في تعاملاتنا.

لذا عندما يجدون شخصا ناجحا وله أسلوب حياة عصري قويم في مأكله وملبسه وطريقة تفكيره ووعيه، ومتفوقا على أقرانه ويتميز بجاذبية خاصة في عائلته، ويعتلي مناصب وظيفية مرموقة في مجتمعه، يقولون: حتما وراء ذلك كله الحظ الذي لعب دوره معه، والبخت صاحبه منذ ولادته، أو أن تجد شخصا آخر بسيطا في معيشته وحياته العامة، ولا يملك من كفاف الدنيا سوى أخلاقه التي ساعدته في الترقي الدنيوي العام، وذكائه العاطفي والمجتمعي العالي، نجدهم منهمكين في ترديد الأمثلة المحبطة في مضمونها ولفظها «الحظ لما يواتي يخلي الأعمى ساعاتي»، أو «بختك يابو بخيت»، ولم يجري الالتفات إلى ما قدموه من معايير ساعدتهم في التميز، والأهم من ذلك توفيق المولى عز وجل لهم بأن أنار دروبهم، وعقولهم، وهداهم إلى مبتغاهم.

ونجد الآخر يتقلب في ويلات إخفاقاته وحماقاته في حياته وعمله وتصرفاته، ويصف حاله في المحصلة النهائية بأنه قليل الحظ وعديم البخت، كما يرى نفسه ويراه الآخرون، ويذكرونه بالمثل «قليل الحظ يلقى في الكرشة عظمة».

من وجهة نظري السلوكية والمعرفية أرى أن هنالك علاقة بين الإخفاق المتوالي وشماعة الفشل والحظ السيئ، وعلاقة أيضا بين النجاح المتتالي والأهداف وأسلوب التفكير الإيجابي. يقول ألبرت آنيشتاين «الجنون هو أن تفعل الشيء نفسه بالمعطيات نفسها مرة بعد أخرى وتتوقع نتيجة مختلفة». إذن ليس للحظ أو البخت أو ما أسميه شخصيا لعبة الزهر ونظرية الاحتمالات السبب في الربح والخسارة، بل طريقة التفكير المتعمق، وأسلوب الحياة المتوقد، والسلوك المنضبط، هي ثلاثة عوامل يترأسها تقدير القدير في التقدير.

وفي رأيي أن الحظ الحسن ما هو إلا نتيجة إيجابية مبنية على سببين هما التوفيق والتخطيط، وليس كما يعتقده المحبطون من أن الحظ هو السبب الرئيس في الوصول إلى النتيجة الأخيرة.

تذكروا دوما أن انتظار الصدف في الحياة جهل، وضرب من ضروب الفشل.

@Yos123Omar