محمد الأحمدي

من السجادة الحمراء إلى حقيبة السيدة

الثلاثاء - 07 يوليو 2020

Tue - 07 Jul 2020

بدأ معشوق السجادة الحمراء ورفيق الصحن المذهب مشواره من افتتاح المشاريع، وانتهى به الحال في قبضة الحلاق الذي يحوف به الشعر يمنة ويسرة.

غادر بعد ظهور البصمة منصته المحفوفة بالورود، وترجل من حراسة الأطفال إلى يد تقسو عليه وتحنو. فنأى عن إضاءة الكاميرات وافتقد صوتها الهامس، ودخل في سبات عميق أثناء الحظر.

طالما كان رفيقا للباحث وعشيقا للأساتذة والنُقاد أو المعجبين بمعشوق الأضواء. يثيرون به ضوضاء الفكر رغم هدوئه ويزعزعون به المحتوى رغم تركيزه.

في نهاية المطاف يودون إظهار مكنون الجمال، وصقل اللؤلؤة بشيء من الخشونة التي لا تخدشها، بل تزيد بريقها الذي يجذب العين، ويأسر الروح، فإذا وقعت النفس في غرامها استحوذت على ما في جعبتها من حصيلة. فالفكرة مكنونة ومستكنة حتى تُستثار فتظهر، وربما يشوبها طول البقاء، فهي بحاجة لسيد الطبق الذهبي، ومرافق يد المسؤول ليصقلها باللذع تارة وبالحب تارة أخرى.

وجدته يا سادة! يتعلى المروة نهاية السعي والطواف، يتزاحم حوله المعتمرون، ويكتظ لابسو الإحرام في منى يوم النحر حوله تقربا لله بنتيجته.

ربما قطع الأميال في حقيبة سيدة من أقاصي الشرق، يَطوف معها على البيت ويصلي خلف المقام، ويسعى بين الصفا والمروة لا يحرك ساكنا. فيظهر للأضواء ويترجل أمام الجمهور ليؤدي مهمته على عجل ثم يغادر. إنه عاشق للظهور ومحب للفلاشات فلا يضيره أن يبقى مستترا حتى تتسنى له الفرصة للاستعراض بلحظة يشعر فيها بالأنفة والحاجة، ويكمل مسيره في الابتعاد عن الضوضاء.

غاب عن المشهد في الأزمة، فتسبب في تغير الملامح، وشكّل صُورا حديثة للوجوه قبل الرؤوس التي تفتقد لغيابه وتئن لبعده. طالت الشوارب وانسدلت الجدايل وغاب التشذيب للحى. برز دوره الترفيهي، لا بل التجميلي في عصور الرفاهية.

الجلوس على مقعده لثوان يُحْدِث الفَرْق، والاحتكام لفاعليته يضفي الجمالية. أمّا إنْ وقع بيد غير الماهر فحتما سيرهقها، والنتيجة عدم رضى المستفيد، وتدني جودة الخدمة.

عندما تساوى العالم في الحظر ومُنع التجول، حاول البعض تعلم تلك المهارة فأتت العجائب، ترمقك النظرات، فإما ضاحكة مستبشرة أو مقطبة مستوحشة أو ساخرة مولية.

اليوم إذا رغبت الوصول لمقعد صاحبه فعليك الانتظار لأيام، في قائمة انتظار كانت مشاهدة فأصبحت تقنية عن بعد، بمعنى لا تقف على قدميك على رصيف الانتظار، بل ينتظر فكرك في أفق العالم الافتراضي الذي استبدل التفاعل الجسدي بالتفاعل المرئي. حال التغير السريع يربك في بدايته حتى يعتاد الناس عليه فيصبح روتينا يُمارس دون عناء.

يشفع له قانون الفائدة، ففائدة من نهاية السجادة الحمراء إلى يد الطبيب الماهر تجعله يضفي على مهمته الجمال والحسن. يُصافح به الكاتب مقطوعته فيُجمّلها بإزالة ما تتلاقى عليه شفرتاه الحادتان من زوائد غير مرتبطة.

عاد الحلاقون مكممين، مغلفة أيديهم، محملة صدورهم بدروع من البلاستيك، إلى معشوقهم.

وتوافد الناس عليهم من كل حدب وصوب، للفوز بلحظات قليلة على كرسي التزيين.

يا ترى ماذا حلّ بنا حينما غاب مقص الحلاق عنا ثلاثة أشهر؟ فما هذه العادة إلا مثال لكثير من العادات التي تنعمت بها البشرية أيام الرخاء في شتى بقاع المعمورة لخدمة الإنسان.

في المستقبل القادم ربما يكون الحلاق رقميا، يزور المنزل فيؤدي المهمة بلمسة على شاشة الهاتف المحمول قبل وصوله، وقد يقترح للشخص الشكل المناسب لقصة الشعر وفقا لشكل الوجه وبنية الجمجمة. وبهذا فلا عناء للانتظار على رصيف الشارع، أو طابور الانتظار الرقمي، أو الخوف من عدم تعقيم الأدوات.

فالروبوت سريع التنقل، والأدوات حسب الطلب، والمهمة أسهل من مشرط روبوت الطبيب الذي يجول داخل الجسد فيزيل الداء بدقة.

انتظر حجزك للمقعد الرقمي لدى الحلاق الروبوت القادم!

@alahmadim2010