لا أنكر أنني حين لمحت عنوان «المرأة في شعر محمد حسن فقي، دراسة نقدية»، للباحثة نورة العمراني – لم أنشط إلى تصفحه، دع عنك أن أقرأه! وإنني لعلى يقين من أن شعوري هذا ليس من العلم ولا النقد في شيء، لأن الكتاب ينبئنا ببعض ما فيه إن أقبلنا عليه، وإذا صح أن الكتاب يقرأ من عنوانه، فأحسب أن هذا الكتاب يغري بقراءته، لغير ما ناحية؛ فعنوانه يتسق اتساقا تاما مع الشاعر المدروس، وعسى أن يكون محمد حسن فقي من الشعراء العرب القلائل في العصر الحاضر نظما في المرأة؛ الحبيبة، والمثال، والعاشقة، والعفيفة، واللعوب، وربما عددنا شعره الذي قاله فيها، «تكفيرا» عن «خطيئة»، وأنت إذا استطعت صبرا على شعره الغزير، فأغلب الظن أنك ستشاركني الرأي في أن نموذج «الخطيئة والتكفير» الذي ركَّبه الدكتور عبدالله الغذامي على شعر حمزة شحاته، هو أدنى إلى شعر محمد حسن فقي منه إلى شعر حمزة شحاته.
والذي صدني، بادي الرأي، عن الظهور على هذا الكتاب، ما صرت أتوقعه كلما قرأت أطروحة علمية عالية يدرس فيها باحث أو باحثة أديبا، قديما أو حديثا، أو مسألة من مسائل الأدب والنقد، فإذا ما وطَّنْتُ نفسي على ذلك، أخرج من الأطروحة وأنا لم أظفر بسوى أمشاج من الكلام النظري الباهت المكرور في «الصورة الأدبية»، و«التناص»، و«العتبات النصية»، و«الانحراف الأسلوبي»، ويجتهد البحث في التلخيص والاقتباس، في كلام اتفق لنا أن قرأناه، أصيلا جديدا، عند أصحابه من النقاد الغربيين، حتى إذا أقبل الباحث على موضوعه، إذا به يقدم رِجْلًا ويؤخر أخرى، ويكثر الحمحمة والاستعانة في الكلام، فيكتب كلاما ركيك الأسلوب، سقيم المعنى، فجا، وكان صاحبه، قبل أسطر، كالفارس الذي يقارع الأبطال، وما هي حتى يطلب الطعن وحده والنزال!
لكنني قلت: لا بأس! فَلْأَرَ ما الذي ستقوله نورة العمراني في شاعر اتسع شعره حتى استوفى تسعة مجلدات من القطع الكبير، وأنى لقارئ أو باحث أن يصبر على هذا القدر من الشعر، وأنا لا أستبعد أن الذي زهد شعر محمد حسن فقي في أعين النقاد والدارسين، على جلال ذلك الشعر وقوته، إنما يؤول جزء منه إلى تلك المجلدات التسعة الكبيرة، والنقاد – حتى الكبار منهم – يريدون أن يلموا بالشاهد والشاهدين، والقصيدة والقصيدتين، ثم يركِّبوا على تلك النتف أقوالا في النقد والنظرية، فتستوي لهم من ذلك دراسة، يصيح بها الركبان، فما ظنك بطالبة ساقها قدرها إلى أن تدرس شاعرا، حتى إذا قرأت شعره، اصطفت منه ما له واشجة بالمرأة، ثم جعلت تفتش في أثناء ذلك الشعر - وما هو بقليل - عن صورة المرأة.
والحق أنني لم أظفر بشيء مما كنت أنتظره، وأنا أجيل بصري في فهرس المحتويات. لم أقرأ شيئا عن ذلك الكلم الشائع في أمثال هذه الدراسات؛ لم أر فيه أثرا للعتبات، ولا التناص، ولا البنية، ولا الأسلوب...! فهذا الضرب من الكلم لا تكاد أطروحة جامعية تخلو، حتى كأنما صار ذلك منهجا أو علامة على ذلك الضرب من الدراسات التي يقتفي فيها الخلف أثر السلف، وحتى يجوز لك أن تعبر الفصول والصفحات التي لا جديد فيها، إلى موضوع الدراسة، فإذا بلغتها توهمت أنك تسمع أنفاس الباحث وقد أعياه لهاث الظفر بـ«نظرية جديدة» لـ«مشروعه النقدي»!
لم أجد شيئا من ذلك عند نورة العمراني، وإنما ألفيتها تكتب عن «المرأة المثال»، وجعلت تدرس «الأنا الشاعرة والمرأة المثال»، و«المرأة واستلهام الصورة التراثية»، حتى إذا استوفت هذا الفصل، أقبلت تدرس «الفحولة والمرأة»، وأنشأت تبحث في شعر محمد حسن فقي عن «الشاعر والعقل الرعوي»، و«الفحولة والشعر والمرأة»، وحين تم لها ذلك، جعلت «المرأة وصراع المجتمع» آخر فصل في كتابها، فدرست «المرأة المقهورة»، فـ«المرأة المستبدة»، وختمت فصلها هذا بمبحث جريء دعته «المرأة وعشق الذات».
وعندي أن نورة العمراني باحثة شجاعة، فهي شجاعة لأنها ما تهيبت أن تدرس شاعرا كبيرا مثل محمد حسن فقي، جمع شعره، إلى الوفرة والغزارة، العمق الفلسفي، والمتانة اللغوية، والمعاني النفسية كالحزن، والتشاؤم، والإحساس بالخطيئة، واقتصار شعره – في الأعم الأغلب – على هذه السمات، دون غيرها من أغراض الشعر ومعانيه؛ وهي شجاعة، كذلك، لأنها سلكت سبيلا قلَّ اليوم سالكوه، وكان بإمكانها أن توهم القراء، وتوهم نفسها، بـ«المنهج»، و«النظرية»، فتخبط في غابة من ذلك الكلم الذي أفقد النقد روحه، من كثرة تكراره، وباعد بين الأدب والفهم الصحيح له، ولكنها، وهذا يظهر من كتابها، كأنما أرادت جديدا في موضوعها، وجديدا في معالجة هذا الموضوع، فاتجهت، من فورها، إلى شعر شاعرها، وجعلت تقرأه قراءة متئدة صابرة، وأكسبها هذا النظر «بصيرة» بالشعر، وقدرة على تمثل معانيه، ومقاربة صوره، وصاغت ذلك كله بلغة لا التواء فيها ولا عوج، وجاء كتابها كله، من ألفه إلى يائه، قراءة «نصية»، أصاخت فيها نورة إلى ما في شعر محمد حسن فقي من دلائل قوة، وهداها بحثها إلى أن تستخلص صورة المرأة «المثال»، والمرأة «الخطاءة»، ودل بحثها هذا المستأني الرزين على شجاعة «ناقدة» اقتحمت موضوعها الصعب حتى لان لها واستقاد.
[email protected]
والذي صدني، بادي الرأي، عن الظهور على هذا الكتاب، ما صرت أتوقعه كلما قرأت أطروحة علمية عالية يدرس فيها باحث أو باحثة أديبا، قديما أو حديثا، أو مسألة من مسائل الأدب والنقد، فإذا ما وطَّنْتُ نفسي على ذلك، أخرج من الأطروحة وأنا لم أظفر بسوى أمشاج من الكلام النظري الباهت المكرور في «الصورة الأدبية»، و«التناص»، و«العتبات النصية»، و«الانحراف الأسلوبي»، ويجتهد البحث في التلخيص والاقتباس، في كلام اتفق لنا أن قرأناه، أصيلا جديدا، عند أصحابه من النقاد الغربيين، حتى إذا أقبل الباحث على موضوعه، إذا به يقدم رِجْلًا ويؤخر أخرى، ويكثر الحمحمة والاستعانة في الكلام، فيكتب كلاما ركيك الأسلوب، سقيم المعنى، فجا، وكان صاحبه، قبل أسطر، كالفارس الذي يقارع الأبطال، وما هي حتى يطلب الطعن وحده والنزال!
لكنني قلت: لا بأس! فَلْأَرَ ما الذي ستقوله نورة العمراني في شاعر اتسع شعره حتى استوفى تسعة مجلدات من القطع الكبير، وأنى لقارئ أو باحث أن يصبر على هذا القدر من الشعر، وأنا لا أستبعد أن الذي زهد شعر محمد حسن فقي في أعين النقاد والدارسين، على جلال ذلك الشعر وقوته، إنما يؤول جزء منه إلى تلك المجلدات التسعة الكبيرة، والنقاد – حتى الكبار منهم – يريدون أن يلموا بالشاهد والشاهدين، والقصيدة والقصيدتين، ثم يركِّبوا على تلك النتف أقوالا في النقد والنظرية، فتستوي لهم من ذلك دراسة، يصيح بها الركبان، فما ظنك بطالبة ساقها قدرها إلى أن تدرس شاعرا، حتى إذا قرأت شعره، اصطفت منه ما له واشجة بالمرأة، ثم جعلت تفتش في أثناء ذلك الشعر - وما هو بقليل - عن صورة المرأة.
والحق أنني لم أظفر بشيء مما كنت أنتظره، وأنا أجيل بصري في فهرس المحتويات. لم أقرأ شيئا عن ذلك الكلم الشائع في أمثال هذه الدراسات؛ لم أر فيه أثرا للعتبات، ولا التناص، ولا البنية، ولا الأسلوب...! فهذا الضرب من الكلم لا تكاد أطروحة جامعية تخلو، حتى كأنما صار ذلك منهجا أو علامة على ذلك الضرب من الدراسات التي يقتفي فيها الخلف أثر السلف، وحتى يجوز لك أن تعبر الفصول والصفحات التي لا جديد فيها، إلى موضوع الدراسة، فإذا بلغتها توهمت أنك تسمع أنفاس الباحث وقد أعياه لهاث الظفر بـ«نظرية جديدة» لـ«مشروعه النقدي»!
لم أجد شيئا من ذلك عند نورة العمراني، وإنما ألفيتها تكتب عن «المرأة المثال»، وجعلت تدرس «الأنا الشاعرة والمرأة المثال»، و«المرأة واستلهام الصورة التراثية»، حتى إذا استوفت هذا الفصل، أقبلت تدرس «الفحولة والمرأة»، وأنشأت تبحث في شعر محمد حسن فقي عن «الشاعر والعقل الرعوي»، و«الفحولة والشعر والمرأة»، وحين تم لها ذلك، جعلت «المرأة وصراع المجتمع» آخر فصل في كتابها، فدرست «المرأة المقهورة»، فـ«المرأة المستبدة»، وختمت فصلها هذا بمبحث جريء دعته «المرأة وعشق الذات».
وعندي أن نورة العمراني باحثة شجاعة، فهي شجاعة لأنها ما تهيبت أن تدرس شاعرا كبيرا مثل محمد حسن فقي، جمع شعره، إلى الوفرة والغزارة، العمق الفلسفي، والمتانة اللغوية، والمعاني النفسية كالحزن، والتشاؤم، والإحساس بالخطيئة، واقتصار شعره – في الأعم الأغلب – على هذه السمات، دون غيرها من أغراض الشعر ومعانيه؛ وهي شجاعة، كذلك، لأنها سلكت سبيلا قلَّ اليوم سالكوه، وكان بإمكانها أن توهم القراء، وتوهم نفسها، بـ«المنهج»، و«النظرية»، فتخبط في غابة من ذلك الكلم الذي أفقد النقد روحه، من كثرة تكراره، وباعد بين الأدب والفهم الصحيح له، ولكنها، وهذا يظهر من كتابها، كأنما أرادت جديدا في موضوعها، وجديدا في معالجة هذا الموضوع، فاتجهت، من فورها، إلى شعر شاعرها، وجعلت تقرأه قراءة متئدة صابرة، وأكسبها هذا النظر «بصيرة» بالشعر، وقدرة على تمثل معانيه، ومقاربة صوره، وصاغت ذلك كله بلغة لا التواء فيها ولا عوج، وجاء كتابها كله، من ألفه إلى يائه، قراءة «نصية»، أصاخت فيها نورة إلى ما في شعر محمد حسن فقي من دلائل قوة، وهداها بحثها إلى أن تستخلص صورة المرأة «المثال»، والمرأة «الخطاءة»، ودل بحثها هذا المستأني الرزين على شجاعة «ناقدة» اقتحمت موضوعها الصعب حتى لان لها واستقاد.
[email protected]