محمد أحمد طيب

مما راق لي من «أوراق» نزار مدني

السبت - 13 يونيو 2020

Sat - 13 Jun 2020

صدر مؤخرا للدكتور نزار عبيد مدني كتاب (أوراق من الجعبة... رؤى وخواطر وسوانح)،

يجمع الكتاب المدونات التي اعتاد كتابتها على قصاصات ورقية قبل خلوده إلى النوم، يسجل فيها ما مر به في يومه من أحداث أو ما مارسه من أعمال أو ما سمعه من أقوال، وما خطر له من أفكار وملاحظات وتأملات، فظهر الكتاب كروضة متنوعة الأشكال من الزهور والورود والقطوف متناثرة على شتى الحقول الفكرية والثقافية والروحية والاجتماعية والسياسية ذات البعد الوطني والعربي والإسلامي والعالمي.

وجاءت مواضيعه مصنفة على سبعة فصول:

في الشأن الإسلامي، في الشأن السياسي، في الشأن المحلي، في الشأن الخاص، في الشأن الدولي، في الحكم والمواعظ، في الأقوال المنسوبة.

وكما قال إنه طور بعض هذه المدونات التي ربما أنه اعتقد أنه وجدها تتعلق بمواضيع وقضايا تحتاج إلى شيء من الاستفاضة، لكونها شغلت وتشغل فكر واهتمام الإنسان العربي والمسلم على مدى سنوات طويلة.

فيما يلي مقتطفات لأكثر ما راق لي من هذه المدونات:

- إن رقي المجتمعات لا يقاس بما حققته من منجزات علمية، وإنما يقاس بسيادة القيم الإنسانية من حب وتعاطف وصدق واستقامة وإيثار ووفاء ونظافة في السلوك والمعاملة، وإن من أشد الأخطار علينا أن نتجاهل أهمية الأخلاق كقيمة اجتماعية أساسية.

- لن نصبح شعوبا متحضرة إلا إذا أنفقنا على شراء الكتب أكثر مما ننفق على شراء أدوات اللهو.

- دور رجال الدين في السياسة، يقول معاليه: لا نريد رجل الدين المسيس الذي يخوفنا من الله، بل نريد رجل السياسة المتدين الذي يخاف الله فينا.

- يتساءل مدني في حسرة: لماذا كانت العصور الأولى للإسلام مليئة بالحراك الثقافي والعلمي والفكري، في حين أن العصور المتأخرة جامدة إلى أقصى حد؟ لماذا انتقل مشعل الحضارة إلى أوروبا؟ ما هي الطامة الكبرى التي حلت بنا وجعلتنا في مؤخرة الأمم بعد أن كنا في مقدمتها؟

- لتحسين صورة المسلمين السلبية التي أختزنها العقل الجمعي الغربي عنهم، ليس أمام المسلمين سوى أن يصلحوا الأصل الموجود لديهم.

- ما هي محنة العرب؟

هي أن العربي مأخوذ بالسلطة، متمسك ومتعلق ومتشبث بها لدرجة أنه يستبيح أي شيء وكل شيء من أجل الحصول عليها ومن ثم الاحتفاظ بها.

- أكبر تحد تواجهه الدولة الوطنية هو أن يكون الولاء لها أضعف من الولاء للطائفة أو للقبيلة أو المنطقة.

- إن الذين يعتقدون أن ممارسة الدبلوماسية تقتضي المهارة في الكذب وتستلزم الإمعان في الخداع وتتطلب البراعة في التحايل، إنما يقعون في خطأ بيّن، ويقدمون شر خدمة للدبلوماسيين الناشئين.

- ما هي أسباب تخلف الشعوب العربية؟ وما كيفية خروجها من هذه العثرة؟

يجيب مدني بأن جيلا من المفكرين العرب منذ القرن التاسع عشر انشغل بالإجابة عن هذين السؤالين، ومن وحي إجاباتهم ولدت التيارات السياسية الكبرى التالية في العالم العربي:

-1 التيار الذي يرى أن سبب التخلف يعود إلى التبعية للمستعمر، وهو التوجه الذي انبثقت عنه حركات الاستقلال الوطني.

-2 التيار الذي يرى أن التخلف هو نتيجة حتمية للتجزئة التي تسبب فيها الاستعمار، وقد ولدت من رحم هذا التيار الأحزاب الداعية للقومية العربية والوحدة العربية.

-3 التيار الذي يرى أن غياب العدالة الاجتماعية هو السبب الرئيس الذي أدى إلى التخلف، وهو التيار الذي انضم أنصاره إلى الأحزاب الاشتراكية والشيوعية.

-4 التيار الذي يرى أن الابتعاد عن الدين هو السبب، وقد ولدت من رحم هذا التيار الأحزاب الإسلامية بتفسيرها المتشدد للدين.

-5 التيار الذي يرى أن السبب هو الاستبداد وغياب الحرية، وقد انبثق عن هذا التيار الأحزاب الديمقراطية الليبرالية.

- بشأن الصراع العربي الإسرائيلي، يرى مدني أنه لن يتأتى حل للصراع العربي الإسرائيلي عن طريق ما يسمى (الحل السلمي)، وأنه لما كانت الحرب غير مرغوب فيها فإن الحل الوحيد - في نظره - يكمن في حدوث تغير جذري في التركيبة السياسية والاستراتيجية في المنطقة وفي العالم، وما قد ينتج عن ذلك من تحول في موازين القوى، سواء في المنطقة أو على مستوى العالم بأسره.

- أيهما أشد خطرا على المنطقة العربية، الخطر الإسرائيلي أم الخطر الإيراني؟

يرى مدني أن هناك بركانين يهددان حاليا المنطقة العربية: أحدهما (إسرائيل) خامد في الوقت الراهن، ولكن خطره عظيم وثورته وهياجه متوقعان في كل حين، وهناك بركان آخر (إيران) في قمة هيجانه وثورته، ولكن قدرته على الاستمرار في هذا الهياج وهذا الاندفاع الدموي لن تكون دائمة، وسيأتي اليوم القريب الذي سيجد نفسه فيه قد استنفد كل قواه، ويبدأ في الانحسار تدريجيا إلى أن يخبو تهديده ويتوقف خطره.

وأفضل أسلوب للتعامل مع هذا البركان الثائر لا يتمثل في مواجهته والوقوف أمامه، وإنما في تحصين النفس من خطره. وسوف يأتي قريبا اليوم الذي تصبح فيه فوهة البركان موقعا سياحيا يرتاده السائح للعبرة والعظة.

هناك كثير من المواضيع والقضايا والحكم والعظات لا تقل أهمية، وهي جديرة بالاطلاع عليها وقراءتها بتمعن للفائدة والاستمتاع.