فواز عزيز

عدوى آفة «التعميم»

السبت - 13 يونيو 2020

Sat - 13 Jun 2020

• وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة منحت الجميع حرية الحديث في أي شأن، حتى فيما لا يفهم فيه المتحدث، وهنا قد يأتي الإنسان بالعجائب، ويسيء لنفسه ويضلل بعض متابعيه.

وسائل التواصل الاجتماعي بكل أنواعها نعمة تقنية، لكن في الوقت نفسه هي أحد أسباب زيادة شهوة الكلام عند البعض، فزادت معها التفاهات والسخافات.

• قد يكون الشخص ناجحا في مجاله وتخصصه ولديه سمعة طيبة في عمله، لكن شهوة الكلام في كل شأن بوسائل التواصل الاجتماعي شوهت صورته وسمعته لكثرة أو عِظم أخطائه وسقطاته.

• كنا منذ سنوات نتمنى على بعضنا ألا نجعل من الحمقى مشاهير، لكن يبدو أن الشهرة زادت نسبة الحماقات، بسبب زلات اللسان على وسائل التواصل الاجتماعي وغياب الرقابة الذاتية.

• إنسان ناجح في تخصصه ومنجز في عمله قد تجره وسائل التواصل الاجتماعي لانتقاد أمر ما، فيقع في التعميم لأنه رأى أو عايش حالة واحدة، فيزل لسانه في انتقاد المجتمع بشكل كامل لأنه يعتقد أن ما تراه عينه هو واقع كل المجتمع، بينما لو راجع كلامه قبل نشره ومارس الرقابة الذاتية على نفسه لتراجع عن أسلوبه، وربما تراجع عن الانتقاد كله.

• وهذا ما حدث مع طبيب ناجح في تخصصه حين انتقد تخلف العرب بشكل كامل، معتمدا في ذلك على مقطع فيديو انتشر في وسائل التواصل يظهر طفلا يؤكد أن «علوم الرجال» أهم من «التعليم»، ويناقش الدكتور فكرة الطفل مخاطبا العرب بشكل عام، وكأن كل إنسان في هذه المجتمعات يؤيد كلام الطفل، بينما قد يكون انتشار مقطع الطفل من باب السخرية والتندر وليس التأييد.

• التعميم كان آفة يعاني منها الجهلة، لكن يبدو أن عدوى آفة التعميم وصلت بعض المتعلمين، لذلك لم يتورع عنها الدكتور في حديثه لمتابعيه وفي الفيديو الذي انتشر مثل انتشار فيديو الطفل، وهذه طبيعة وسائل التواصل تنشر الغث والسمين، ولو كان المجتمع جاهلا ولا يحب التعليم ولا يريده كما يقول الدكتور، لما أصبح هو دكتورا ناجحا وهو نتاج هذا المجتمع!

• أعتقد - إحسانا للظن - أن الدكتور لم يقصد التعميم، لكنها زلة اللسان بسبب عدم تفعيل الرقابة الذاتية مع وسائل التواصل الاجتماعي، وحديثه لم يكن خاصا أو في مجلس محدود، بل بشكل عام، فذهب من رياح الفضاء الالكتروني إلى كل مكان.

• تخيل أن شابا واعيا يثق بآراء الدكتور ويقدره ويسمع كلامه هذا، سيتساءل في نفسه: إذا كنا أمة متخلفة كما يقول الدكتور، فلماذا نفاخر بمنجزات بعض الأسماء السعودية والعربية في الطب وغيرها من التخصصات؟!

• قد يكون لدينا مشكلة في التعليم كما يقول الدكتور، لكنها ليست أكبر المشاكل، بل أكبر منها مشكلة أن «بعضنا» يحب جلد الذات وتمجيد الغير، كما ظهر في حديث الدكتور الذي استند على قصة طفل ليجلد كل العرب ويصفهم بالتخلف تعليميا!

• ومن المشاكل لدى «البعض» أنه قد يغضب من أمر ما، فيفتح إحدى وسائل التواصل الاجتماعي ليفرغ غضبه وانفعاله في ذاك الأمر، دون حتى أن يبحث في تفاصيل الأمر أو أن يضبط كلماته لتصل فكرته كما أرادها، وليس كما صنعها غضبه وانفعاله.

(بين قوسين)

• النقد حق لكل إنسان، لكن التعميم يجعله خطأ بحق كل إنسان يشمله التعميم.

fwz14@