عبيد أحمد المالكي

مما يقال

الأربعاء - 10 يونيو 2020

Wed - 10 Jun 2020

تتناقل عادة ألسنة الناس مقولات قد تختلف ألفاظها من مجتمع لآخر، مع تقارب معانيها عندهم في العموم، ولكن الإشكال الحقيقي يكمن في فهومهم لمثل هذه العبارات التي ربما جرت مجرى الأمثال.

ومما تكرر تداوله في هذه الأيام خاصة مقولتهم «لا يغني حذر من قدر»، وهي جزء من حديث ضعيف جدا كما عند الألباني، ولو قلت إن مجموعة من هؤلاء يفهمونها ويفسرونها تفسيرا يتفق ورغبات أنفسهم جهلا أو عمدا لم أكن مخطئا، فيتأولونها على أنك لا تبذل أي سبب للحصول على أمر ما أو دفعه عنك، وعلى هذا فمهما صنعت فإنك لا محالة ستصاب بهذا الوباء مثلا، أو ستقترف تلك المشكلة، أو ستنالك تلك المصيبة، أو سيحصل لك أو عليك، وبناء على ما توصلت إليه عقولهم فلا تفر ولا تعنّ نفسك ولا ترهقها بهذه الاحتياطات فإنك مغلوب مهما تحصلت عليه من أسباب، ويصرون عليك في الوقت نفسه أن تتوكل على الله تعالى من دون فعل ما يمكن أن يعصمك مما تقلق منه، وبناء على هذا التفكير المعطل حقا يتساهل الناس ويسوغون لأنفسهم ويلتمسون لها الأعذار الواهية في عدم التزامها بتعليمات الجهات المختصة حول حدث ما، ووفق هذا الفكر الوهمي فإن التزامك بالسرعة القانونية أثناء السير وعدمه سيان، لأن أجلك معلوم فلا يؤخره عمل كما لا يقدمه تراخ، وهم بذلك يعلقون أخطاءهم مهما كانت فادحة بالقدر، فيا ويل القدر منهم!

ومن هنا فإن تصحيح مسار هذا الفكر المنحرف عن الفهم الصحيح واجب العلماء النابهين، والمثقفين الواعين والإعلاميين الراشدين، وخلاصة الأمر أن التوكل على الله تعالى مقرون بفعل الأسباب المتاحة والمباحة وفق الطاقة، وإلا فلم لبس النبي عليه السلام الدرع الحصينة في غزواته مثلا؟ ولم قال لأحدهم «اعقلها وتوكل» فقدم الأسباب على التوكل؟ وفي السياق نفسه لم قال عمر لأبي عبيدة رضي الله عنهما أثناء محاورتهما زمن تفشي الطاعون في الشام «نفر من قدر الله إلى قدر الله»؟

فيا من التبس عليه مفهوم القدر والتوكل على الله تعالى عد إلى النبع الصافي وانهل منه، فبعودتك إليه ترجع صحيح الفهم مستقيم السير آخذا من دنياك ما يوصلك إلى آخرتك في طمأنينة وسلام وراحة بال، ولاتكن ممن ينطبق عليهم قول المتنبي: فكم من عائب قولا صحيحا / وآفته من الفهم السقيم.

ومضة: العمل بالأسباب يتكامل مع التوكل ولا يعارضه.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال