شاهر النهاري

انتحار أو اغتيال الحلم الأمريكي؟

الاحد - 07 يونيو 2020

Sun - 07 Jun 2020

ما حدث بولاية مينابولس الأمريكية أشبه بقبلة النار للبنزين، بداية باستدعاء بائع من أصول فلسطينية للشرطة، بعد شكه في زيف ورقة من فئة عشرين دولارا قدمها له متبضع!

لحظة كالحلم، ويقوم الأمن بتوقيف المتهم، الأمريكي الأفريقي جورج فلويد، وهو واقع تحت تأثير المخدرات، ويطرحه رجل الأمن الأبيض العنصري ديريك تشوفين، فوق اسفلت الشارع، ويظل يضغط على عنقه بركبتيه، حتى يلفظ أنفاسه.

حادث ممكن الحصول في مجتمع الحضارة المختلطة الأعظم عالميا، غير أن فيديو ضغط العنق والتوسل والموت على مواقع التواصل أخرج مارد مكنون الأنفس المتحفزة لتحرق شوارع مينابولس في ساعات، وتحول الساحات لاحتجاجات وتخريب ونهب وانفلات في كثير من الولايات، مما أعجز عناصر الأمن عن احتواء الحدث، لتطلب حكومات بعض الولايات قوات الحرس الوطني لتفريق الجموع في الشوارع، وحماية المنشآت.

حالة شتات مريعة، أحاقت بالبلد الأعظم عسكريا، والأكثر في مفهوم الحريات والديمقراطية والعدالة والترقي، وفي قبول نشاز تنوع المهاجرين أيضا، الباحثين عن الحلم الأمريكي.

السياسة الداخلية الحالية في أمريكا متطرفة حتى في مفهوم الحرية، ومحرقة للأسس التي بنيت عليها حضارتهم، بإمعان الحزبين الجمهوري والديمقراطي في تحطيم صور ورموز وهيبة الوطن الأمريكي الأصيلة، والتحايل على القوانين وتغليب الفوضى، وعدم احترام الدستور الذي استمر صلبا فاعلا لثلاثة قرون، فسادت المناوشات الصبيانية أجواء مجلس النواب والشيوخ، واضمحلت هيبة من يصل للسلطة عبر الانتخابات، وشاع التحريض العلني عليه، وزاد سعار الحروب الحزبية المهينة بين مرشحي الرئاسة، وسطوة وتبجح وافتراء وسائل الإعلام المخترقة من جهات عدة، وتزوير الحقائق، وتعطيل وتشويه كل جوانب عزة دولة السطوة العسكرية، والمخترعات والتقنية، وسباق الفضاء، التي تم تغليب حضارة السفسطائية الحوارية عليها!

تغلغل وهيمنة المهاجرين والأقليات العرقية والجنسية والدينية في إدارة الوطن جعل الأمور منقلبة في السياسة الأمريكية، بوضوح نوايا جر البلاد بعيدا عن الديمقراطية الأصيلة المنتظمة، وتغلغل الجهات الراغبة في السيطرة، مثل الصين و(النازيين الجدد) والإخوان المسلمين وإيران، وعدد كبير من اللوبيات الأجنبية المخترقة للكيان الأمريكي.

التسهيلات والتحويرات التي أقحمت على السياسة الأمريكية مؤخرا عبر لجان حقوق الإنسان أخلت بمعاني الوطنية، وساوت بين المهاجر الجديد والمستوطن القديم في حقوق التدخل السياسي وقيادة البلد، مع أن المهاجر الجديد ما يزال متشبعا بماضيه المشوش، ويحمل أيديولوجيات مختلفة، وانتماءات وأمراض نفسية وعنصرية تميل للشيوعية أو الرأسمالية، وتحاول إعادة رسم الحلم الأمريكي ومسخ جوانب قوته.

رأينا المهاجرين يطالبون قوات الأمن، وكل أبيض، بأن يسجد لهم في الشوارع، حتى لا يتسببوا في طردهم من أعمالهم بمجرد اتهامهم بالعنصرية!

رأينا المظاهرات تعم شعوب دول قريبة وبعيدة عن الحدث، فكأنهم غوغاء تطمع في قيادة أمريكا بأيديولوجياتها وامتلاك قرارها!

أخطاء فادحة عاصرت تطبيق السياسة والقانون الأمريكي الحديث المشوش، مما حطم بنود الدستور الوطني، وهز جميع الأسس والصور، وهو ما يستحق التوقف عنده وطنيا، وإعادة النظر والمراجعة والمعالجة، قبل أن تبلغ البلد العظمى قمة الفوضى والتشظي، كما حدث للاتحاد السوفيتي في بداية التسعينات.

الحلم الأمريكي الديمقراطي يجب ألا ينتحر بمشرط أبنائه الساذجين، ولا بحبال الدخلاء عليه المغرضين، ويجب على الحكومة إعادة ترتيب قواعده وأهدافه وأولوياته وثوابته، حتى يستمر قويا بديمقراطيته.

Shaheralnahari@