عندما تقرع القدور بالملاعق
الثلاثاء - 02 يونيو 2020
Tue - 02 Jun 2020
لامست دعوة معلمة اليوجا الهولندية آن ماري بلاس Annemarie Plas التي تعيش جنوب لندن، عبر انستقرام قلوب ملايين البريطانيين. فسرعان ما تفاعل المجتمع المتعدد الأطياف مع مبادرتها رغبة منه في دعم العاملين بالقطاع الصحي البريطاني.
المبادرة تمثلت في الخروج الجماعي المتزامن أمام المنازل أو من الشرفات كل ليلة خميس الثامنة مساء ابتداء من 23 مارس حتى 29 مايو، مستخدمين كل ما خف حمله باليد لإصدار الأصوات، كأواني الطبخ والأجراس والآلات الموسيقية، وفي أقل الأحوال راحتي اليد الخاليتين للتصفيق لمحاربي الوباء.
وقد عبرت عدد من المجتمعات الأوروبية بأفكار متقاربة ومشابهة لهذه المبادرة في إيطاليا وإسبانيا وهولندا.
ليلة الخميس التي طرزت بها أيادي البريطانيين الشكر لموظفي الصحة، عميقة في الأساطير الوثنية الاسكندنافية القديمة.
فالخميس في الإنجليزية تدعي بعض الأساطير أن اسمه مشتق من الإله حامي البشر المسمى ثور Thor ابن أودين Odin الذي يعرف في الأساطير الاسكندنافية بأنه إله القوة العلاجية والشجاعة والشفاء من الأسقام.
وفي أساطير اللغة الرومانسية نجد أن اسم الخميس Thursday يعود إلى ملك الآلهة الروماني، ملك السماء والبرق الذي يشير إلى كوكب المشتري Jupiter.
على كل حال، الخميس يوم مقدس في الثقافة والأعراف المسيحية، فهو من ضمن الأيام المقدسة التي تسبق الجمعة العظيمة في عيد الفصح.
كما ارتبط بالنظافة والصدقة بحيث تقدم فيه الهدايا للفقراء كعادة بالكنيسة البريطانية تسمى Maundy Money وقد اندثرت معظم هذه العادات وتكاد لا ترى في أوساط المجتمع الحديث.
كذلك لم يمر الخميس الجميل على اليهود دون تقدير فاعتبروه يوما دينيا مستحبين صيامه، وقراءة التوراة والصلاة في صباحه. وسرعان ما خالفهم المسيحيون بصيام الجمعة دون الخميس الذي لا يذكر في ذاكرة من تتراوح أعمارهم 100 سنة على الإطلاق من البريطانيين.
وقد جرى حوار بيني وبين مهتمة بالدين المسيحي حينما سألتني عن صيام رمضان ذات مرة، وأفادت بأنه منذ أكثر من قرن لا يكاد يعرف الصيام في أوساط المجتمع البريطاني المتدين فضلا عن غيره.
أما فضل الخميس في الإسلام فحري بكم أيها القراء معرفته فهو متجذر في أنفسكم في صيام الاثنين والخميس، اللذين ترفع الأعمال إلى الله فيهما.
وقد نال الخميس شهرة في أوساط الروايات والأعمال الأدبية. فرواية Gabriel Syme أتى الخميس كشخصية رئيسية فيها، ورواية John Steinbeck الخميس الجميل Sweet Thursday.
والخميس القادم في رواية الكوميدية Jasper Forde . أو الرواية الرومانسية: الثامنة في أيام الخميس لـ Debbie Macomber، حتى طفل الخميس لـ Nicci French. كل هذه لمحة سريعة عن جمال الخميس في روح الكُتاب والروائيين.
وبعد معرفة لمحة سريعة عن الخميس في ثقافة الأوروبيين، جدير بك أن تعرف قليلا عنه في الديمقراطية البريطانية. فمن التقاليد العرفية التي ارتبطت بالخميس في بريطانيا إجراء الانتخابات منذ 1935م، وقد استثنى قانون الانتخابات الخميس المقدس الذي يسبق الجمعة العظيمة (جمعة الألم) التي يدعي المسيحيون صلب المسيح فيها، من الإجازات المعتبرة التي لا تقدم فيها الانتخابات منذ 2006.
وهنا سلبت هويته الدينية من الأيام البريطانية أمام الحركة المدنية الحديثة. كما أن الخميس يوم القرعة الثانية من الدوري الإنجليزي، ويوم يحظى بالحدث السنوي في صناعة النشر، ويوم الانتخابات المحلية التي تعقد في الخميس الأول من مايو.
عموما! الفرح بدعوة المعلمة الهولندية، وتهيئة الظرف المناسب الذي يحفز الجمهور نحو التضامن تحت ظل رمز الديمقراطية، وحرية التعبير، والتعاون المجتمعي البريطاني، التاريخ الثقافي، قد تحقق لتنفيذ المبادرة، إضافة إلى التسويق بأن صوت الفرد ذو سلطة، وتأثير مسموع، وقوة فاعلة كركيزة ديمقراطية.
صحيح! يعتقد بعضهم أن هذه المفاهيم غابت قليلا في ظل القرارات الأوروبية المصاحبة للجائحة كحدث طارئ.
لكن يظهر جزء من تلك المفاهيم في خدمة المصالح المجتمعية المشتركة كحفز الجمهور نحو التبرعات المالية للمنظمات الصحية بحيث تستديم روح الديمقراطية والشفافية، وأن الفرد جزء من المنظومة فيسهم ذلك في رفع وعيه، وحرصه على ديمومة المؤسسات، واستقبال رسالة المصلحة العامة دون اتخاذ مواقف مصادمة لها. وبهذا فالسلطة المجتمعية قوية في التصدي لكل من يحاول مخالفة تلك المصلحة العامة.
ولكم في التعبير الغاضب لساكني الحي الذي يقطنه مستشار رئيس الوزراء البريطاني دومينيك كومينج خير دليل حينما سافر من لندن إلى مدينة درم لأكثر من 250 ميلا، ملقيا بقرار حظر السفر أثناء فترة الجائحة عرض الحائط.
فالقيم المجتمعية العامة التي تحقق مصلحة الجميع يحرسها المجتمع نفسه، كما ينتجها أيضا.
وهذا أحد مبادئ الفلسفة البنائية المجتمعية التي تعتقد أن الواقع والحقيقة نشاط إنساني، ومنتج بشري، يتمثل من خلال التفاعل الاجتماعي بين الناس والبيئة التي يعيشون فيها.
Alahmadim2010@
المبادرة تمثلت في الخروج الجماعي المتزامن أمام المنازل أو من الشرفات كل ليلة خميس الثامنة مساء ابتداء من 23 مارس حتى 29 مايو، مستخدمين كل ما خف حمله باليد لإصدار الأصوات، كأواني الطبخ والأجراس والآلات الموسيقية، وفي أقل الأحوال راحتي اليد الخاليتين للتصفيق لمحاربي الوباء.
وقد عبرت عدد من المجتمعات الأوروبية بأفكار متقاربة ومشابهة لهذه المبادرة في إيطاليا وإسبانيا وهولندا.
ليلة الخميس التي طرزت بها أيادي البريطانيين الشكر لموظفي الصحة، عميقة في الأساطير الوثنية الاسكندنافية القديمة.
فالخميس في الإنجليزية تدعي بعض الأساطير أن اسمه مشتق من الإله حامي البشر المسمى ثور Thor ابن أودين Odin الذي يعرف في الأساطير الاسكندنافية بأنه إله القوة العلاجية والشجاعة والشفاء من الأسقام.
وفي أساطير اللغة الرومانسية نجد أن اسم الخميس Thursday يعود إلى ملك الآلهة الروماني، ملك السماء والبرق الذي يشير إلى كوكب المشتري Jupiter.
على كل حال، الخميس يوم مقدس في الثقافة والأعراف المسيحية، فهو من ضمن الأيام المقدسة التي تسبق الجمعة العظيمة في عيد الفصح.
كما ارتبط بالنظافة والصدقة بحيث تقدم فيه الهدايا للفقراء كعادة بالكنيسة البريطانية تسمى Maundy Money وقد اندثرت معظم هذه العادات وتكاد لا ترى في أوساط المجتمع الحديث.
كذلك لم يمر الخميس الجميل على اليهود دون تقدير فاعتبروه يوما دينيا مستحبين صيامه، وقراءة التوراة والصلاة في صباحه. وسرعان ما خالفهم المسيحيون بصيام الجمعة دون الخميس الذي لا يذكر في ذاكرة من تتراوح أعمارهم 100 سنة على الإطلاق من البريطانيين.
وقد جرى حوار بيني وبين مهتمة بالدين المسيحي حينما سألتني عن صيام رمضان ذات مرة، وأفادت بأنه منذ أكثر من قرن لا يكاد يعرف الصيام في أوساط المجتمع البريطاني المتدين فضلا عن غيره.
أما فضل الخميس في الإسلام فحري بكم أيها القراء معرفته فهو متجذر في أنفسكم في صيام الاثنين والخميس، اللذين ترفع الأعمال إلى الله فيهما.
وقد نال الخميس شهرة في أوساط الروايات والأعمال الأدبية. فرواية Gabriel Syme أتى الخميس كشخصية رئيسية فيها، ورواية John Steinbeck الخميس الجميل Sweet Thursday.
والخميس القادم في رواية الكوميدية Jasper Forde . أو الرواية الرومانسية: الثامنة في أيام الخميس لـ Debbie Macomber، حتى طفل الخميس لـ Nicci French. كل هذه لمحة سريعة عن جمال الخميس في روح الكُتاب والروائيين.
وبعد معرفة لمحة سريعة عن الخميس في ثقافة الأوروبيين، جدير بك أن تعرف قليلا عنه في الديمقراطية البريطانية. فمن التقاليد العرفية التي ارتبطت بالخميس في بريطانيا إجراء الانتخابات منذ 1935م، وقد استثنى قانون الانتخابات الخميس المقدس الذي يسبق الجمعة العظيمة (جمعة الألم) التي يدعي المسيحيون صلب المسيح فيها، من الإجازات المعتبرة التي لا تقدم فيها الانتخابات منذ 2006.
وهنا سلبت هويته الدينية من الأيام البريطانية أمام الحركة المدنية الحديثة. كما أن الخميس يوم القرعة الثانية من الدوري الإنجليزي، ويوم يحظى بالحدث السنوي في صناعة النشر، ويوم الانتخابات المحلية التي تعقد في الخميس الأول من مايو.
عموما! الفرح بدعوة المعلمة الهولندية، وتهيئة الظرف المناسب الذي يحفز الجمهور نحو التضامن تحت ظل رمز الديمقراطية، وحرية التعبير، والتعاون المجتمعي البريطاني، التاريخ الثقافي، قد تحقق لتنفيذ المبادرة، إضافة إلى التسويق بأن صوت الفرد ذو سلطة، وتأثير مسموع، وقوة فاعلة كركيزة ديمقراطية.
صحيح! يعتقد بعضهم أن هذه المفاهيم غابت قليلا في ظل القرارات الأوروبية المصاحبة للجائحة كحدث طارئ.
لكن يظهر جزء من تلك المفاهيم في خدمة المصالح المجتمعية المشتركة كحفز الجمهور نحو التبرعات المالية للمنظمات الصحية بحيث تستديم روح الديمقراطية والشفافية، وأن الفرد جزء من المنظومة فيسهم ذلك في رفع وعيه، وحرصه على ديمومة المؤسسات، واستقبال رسالة المصلحة العامة دون اتخاذ مواقف مصادمة لها. وبهذا فالسلطة المجتمعية قوية في التصدي لكل من يحاول مخالفة تلك المصلحة العامة.
ولكم في التعبير الغاضب لساكني الحي الذي يقطنه مستشار رئيس الوزراء البريطاني دومينيك كومينج خير دليل حينما سافر من لندن إلى مدينة درم لأكثر من 250 ميلا، ملقيا بقرار حظر السفر أثناء فترة الجائحة عرض الحائط.
فالقيم المجتمعية العامة التي تحقق مصلحة الجميع يحرسها المجتمع نفسه، كما ينتجها أيضا.
وهذا أحد مبادئ الفلسفة البنائية المجتمعية التي تعتقد أن الواقع والحقيقة نشاط إنساني، ومنتج بشري، يتمثل من خلال التفاعل الاجتماعي بين الناس والبيئة التي يعيشون فيها.
Alahmadim2010@
