مها السمنان

العزلة الإبريلية

الاثنين - 01 يونيو 2020

Mon - 01 Jun 2020

في إبريل من عام 2020 هدأت قليلا زوبعة كورونا بعد هيجانها الذي اجتاح الناس وتسبب في زعزعة العالم وأوقف أعمالها ونشاطاتها، وبلغ به أن أوقف ممارساتها اليومية وتصاعدت الأمور إلى أسوأ مما يتصوره العقل، إلى أن استكان العالم وهدأ بعد أن تعرف على هذا الزائر، الذي قلب الدنيا رأسا على عقب.

لم تكن عزلة عادية، فقد أتت بعد زوبعة قاسية فلم نعتد بالعدة لها، ولم نقبل وجودها، يل لم تنتظر قبولنا لها ولم تستأذن بالدخول لنا، فقد انتشرت كالنار في الهشيم، فالكل يتسارع بالحفاظ على نفسه وعائلته، يتسابق للتحصين ويتسلح بالتنظيف لربما يجد ذاته بين الأصحاء، تنازلنا عن أعمالنا وأموالنا في سبيل وقايتنا وسلامة غيرنا، ابتعدنا وانعزلنا والتزمنا بحجر صحي لئلا ينالنا ذلك الوباء.

وفي شهر إبريل بدأنا الاسترخاء والاعتياد على نمط يومي جديد، فقد تصالحنا مع عاداتنا الجديدة، وأصبحت العزلة اكثر استقرارا وارتياحا، وانتقلت من كونها زوبعة إلى أن أصبحت سكونا وجدنا ذواتنا داخله، فقد انفصلنا عن العالم الخارجي الذي أرهق طاقتنا في البحث عن إنتاجية في كل لحظة، إلى أن جعلنا جل طاقتنا في بناء عالمنا الداخلي والذاتي والأسري، بدأ الناس في البحث عن متع لكسر الملل، ولربما لإشغال أنفسهم عن تلك الأخبار التي بثت الرعب في صميم أركان قلوبهم، فما زالوا لا يعلمون هل سيكونون من الأحياء أم من ضحايا هذا الفيروس، فكل رب أسرة بدأ بترتيب أنشطة ذات مغزى، لربما شتت أذهانهم على التركيز عما أصاب العالم من جائحة.

أصبحت البيوت تزخر بمتع افتقدوها منذ زمن طويل، فقد اكتشفوا أنهم فقدوا ذواتهم فعلا داخل عجلة الحياة، بدأ التآلف والاندماج والاستمتاع والاستقرار يدب داخل البيوت، فكأنما هناك من أعاد ساعة الزمن لعشرات من السنين مضت، أصبح السكون والطمأنينة سمة عامة لكل منزل، فتقبل الجميع هذا الوضع المتجدد الذي فرض نمطا ربما طواه الزمن، فقد توحدت الرغبات وسادت العادات، مما أشعر الجميع بأن النقمة نعمة، وتلك القناعات جعلت كلا منا غير مكترث لما سيحدث، فقد وجد كل ما يتمناه يصل إلى باب بيته، فلم يشعر حينها بأدنى احتياج ولم يشعر بأي ضغط، بل شعر بقيمته وبأهمية وجودة، ورغبة الجميع ممن حوله بأن يبقى بأتم صحة عافية.