عبدالله المزهر

الإنسان الذي يشتري..!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الأربعاء - 20 مايو 2020

Wed - 20 May 2020

لا أعلم عن الآخرين، ولكن مسألة صرف الرواتب قبل العيد في هذا العام لا تعني أي شيء، ربما لو كان العالم لم يتعرف على كورونا بعد لكان من المهم جدا أن تصرف مبكرا قبل موعدها المحدد سلفا والذي يأتي بعد نهاية أيام العيد.

وفي ظل الوضع الراهن فإني أظن أنه حتى لو صادف أن تاريخ راتب هذا الشهر كان قبل العيد، فقد يكون من المستحسن تأجيله إلى ما بعد العيد حتى لا تزدحم الأسواق بأكثر مما تحتمله فكرة التباعد في هذه الفترة.

ثم إنه من المفترض أنك وأفراد أسرتك الصغيرة لن تقابلوا أحدا في العيد فلماذا يهمك شراء الملابس والتبضع. وأرجو أن يفهم أني أتكلم بشكل عام لأني أدرك أن البعض لم يعد لديه ما يصرفه للضروريات حتى يوم الراتب الموعود.

ومنذ أعلنت الإجراءات المؤلمة وأنا أحاول - ما استطعت إلى ذلك سبيلا - أن أتقشف، وبدأت في قراءة كتاب البخلاء للجاحظ مرة أخرى لعلي أجد فيه ما ينير طريقي ويعينني على نوائب الأيام القادمة التي يبدو أنها ستكون قاسية بعض الشيء. وقد قطعت فيه شوطا لا بأس به ولكني لم أجد في قصص السابقين ما ينفعني ويصلح لاستخدامات البخل العصري الحديث. حتى الأعرابي الذي يخرج للناس في وسائل التواصل يحدثهم عن الصبر والتحمل في كل أزمة مشابهة لم أجد في سيرته ما يصلح ليكون نهجا لحياة اليوم.

وأصدقكم القول إني حين أسمع عبارة «ما بعد كورونا ليس كما قبلها»، فإني أشعر أن العبارة موجهة لي شخصيا، وأنها لا تعني العالم ولا النظام العالمي ولا اقتصاد الدول ولا سياساتها. وحين أسمع أن دولا أو حكومات تقلق من هذه النظرية فإني أشعر برغبة في طمأنة الجميع، أريد أن أقول لهم: لا تقلقوا لستم معنيين بهذا التغير، هذا أمر يخصني فلا تشغلوا أنفسكم به كثيرا.

أحاول التأقلم مسبقا وأعمل على التخلي عن كثير من الكماليات وبعض من الضروريات، لكن المشكلة التي تواجهني هي أني لم أستطع أن أحدد بشكل دقيق ما هي الضروريات وما هي الكماليات، فمن مساوئ عصر ما قبل كورونا أن الأمرين تداخلا بشكل غريب حتى أصبح التفريق بينهما يكاد يكون مستحيلا.

وعلى أي حال..

لدي نظريتي - التي لم تسر بها لركبان - التي أريد أن أضع بها حدا للجدل في موضوع تعريف الكائن البشري، والفارق بينه وبين الكائنات الأخرى، فقد ثبت أن «التفكير» ليس الفارق فبعض الدواب لديها من الحكمة والرزانة والعقل ما يفوق كثيرا من الكائنات البشرية، وبعض البشر كالأنعام بل هم أضل سبيلا، وحتى الكلام واللغة ليسا فارقا، وكل ما في الأمر أننا «لا نفقه حديثهم» وهم لا يفعلون. الفارق الرئيسي والجوهري بين الإنسان وبقية المخلوقات الأخرى هو أن الإنسان هو المخلوق الذي يشتري الأشياء، ولذلك لن يكون عصر ما بعد كورونا مقلقا إلا للإنسان.

agrni@