عبيد أحمد المالكي

من انتصارات رمضان

الاحد - 17 مايو 2020

Sun - 17 May 2020

بداية يصاب المرء بدهشة حقيقية عندما يقرأ عن رمضان عند أوائلنا في عصر النبوة، أو في عصور الإسلام المتعاقبة، أو حتى الذين عاشوا في القرن الماضي قبل أن تسيطر علينا عيشة الرفاهية وأدوات الحداثة.

إنك لتعجب فعلا عندما ترى مجموعة من الانتصارات الفعلية في شهر الصبر والجوع والعطش والعبادات المتنوعة ما بين صيام وصلاة ودعاء وصدقة وزكاة واعتمار، وغيرها من الأمور التي تحتاج من المسلم إلى عمل وحركة دؤوب، في شهر الناس أحوج ما يكونون فيه إلى المكوث في بيوتهم يقضون جل نهارهم في ظل وارف وسبات عميق كما نعيشه حاليا، أو كما نفهمه الآن عندما يحل علينا الضيف الكريم سنويا.

حقا لقد فهم أوائلنا الكرام - عليهم من الله الرحمة والرضوان - رمضان بشكل آخر، فهو شهر الصبر فعاشوا الصبر بكل تفاصيله، وهو شهر الجوع فأحسوا الجوع فشاركوا الفقراء أموالهم، وهو شهر الظمأ فسقوا الظمأى من المسلمين ماء باردا، وسقوا غير المسلمين الرحمة بهم فدعوهم إلى دين الرحمة والإنسانية إلا من أبى، وحينها لكل حادثة حديث.

إذن - أعزائي القراء - فهم أوائلنا أن رمضان شهر العمل أيا كان مجاله، وليس شهر الكسل والخمول، وما دام كذلك عندهم فقد سجل التاريخ لهم مواقف مشهودة كانت ولا زالت محل فخر واعتزاز للمسلمين قاطبة، وليست هذه المقالة مهما كانت مساحتها بموفية تلك المواقف الناصعة حقها، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، لذا جاء هذا العنوان "من انتصارات رمضان".

فمن تلك الانتصارات البارزة: غزوة بدر الكبرى التي حدثت في السابع عشر من رمضان من السنة الثانية من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل صلاة وأزكى سلام، وغزوة فتح مكة سنة (8) هـ، ومعركة القادسية سنة (15) هـ، وفتح بلاد الأندلس سنة (92) هـ، وفتح بلاد الهند والسند سنة (94) هـ، ومعركة بلاط الشهداء سنة (114) هـ،وفتح عمورية سنة (223) هـ، وفتح سرقوسة سنة (264) هـ، ومعركة الزلاقة سنة (479) هـ، وموقعة حطين سنة (584) هـ، ومعركة عين جالوت سنة (685) هـ، ومعركة شقحب سنة (702) هـ، وفتح جزيرة قبرص سنة (829) هـ وغيرها كثير، أما في العصر الحديث فقد انتصرت القوات العربية على قوات الصهاينة في (حرب أكتوبر) سنة (1973م/1393هـ)، ويمكن أن يدرج ضمن انتصارات رمضان (فتح الرياض) على يدي الملك عبدالعزيز ورجاله، لأن انطلاقتهم كانت من الكويت في يوم 1319/9/21 هـ، وإن كان تم الفتح في يوم 1319/10/5 هـ.

عزيزي القارئ، ولا يعني ما قدمناه من انتصارات حسية ظاهرة للعيان إلغاء للانتصارات المعنوية التي ينضوي تحتها: انتصار الإنسان على نفسه باجتناب السلبيات التي كان قبل الشهر الكريم يمارسها ثم من خلاله قام بضبط نفسه حتى أقلع عنها، ومن هنا فعلى ذلكم الإنسان أن يعزز تلك الإيجابيات التي أصبحت جزءا من حياته الرمضانية، لتصير عادة له طوال عامه.

وختاما أقول: إن الربط بين الماضي والحاضر لينتج مستقبلا جميلا وزاهرا ومفعما بالحيوية والعطاء هدف مهم وقيمة كبرى، لذا على الجيل الجديد أن يدرك أن له ماضيا عريقا ينبغي العودة إليه وإبراز إيجابياته وإصلاح سلبياته، لتكون الانطلاقة من ثم على أسس متينة ورؤى واضحة وخطى واثقة.

#ومضة: الاتكاء على منتجات الماضي وحدها لا يبني حاضرا ولا يدل على مستقبل.

الأكثر قراءة