طارق فريد زيدان

رحمة الله على الدكتور عاصم حمدان

السبت - 16 مايو 2020

Sat - 16 May 2020

عرفته رجلا فاضلا طاهر القلب. لسانه متوضئ لم يرفث ولم يفسق قط، والسكينة في سماه واضحة.

لم يبخل بمعلومة أو معرفة، وقدم النصيحة رديفا للتشجيع، شأنه شأن علماء المسلمين الأوائل، فهو لم يكن مستخدما للتكنولوجيا وأدواتها إلا في الضرورات. ظل بعيدا عن وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كان بيني وبينه سائقه لتمرير المقالات والكتب. قلمه متدفق فيما اختار له من كتابة، تجده من عنوان مؤلفه «المدينة المنورة بين الأدب والتاريخ».

تعرفت على الدكتور في ثلوثية المستشار محمد سعيد طيب. منذ اليوم الأول أخذني بعطف أبوي لا أنساه. وجدته يجلس متابعا الحوار ليتحدث عند الطلب منه، ثم يتكلم محاضرا بثقة المؤرخ ونفسية المتصوف. اقتربت منه للتعرف عليه، كان يجلس مستمعا فاحصا نظره وسط عاصفة النقاش في المجلس. يومها باغته بسؤال «أكيد عندك تعليق بينك ونفسك؟».

أجابني أنه لم يعد يحب النقاش من دون بوصلة، لا أعتقد أنه كان يقصد الثلوثية فقد ظل من رواد المجلس ومن أكثرهم وزنا في المضمون والشكل، وهو ما واظب عليه في مجالس الثقافة الأخرى من ثقل معرفي.

ولعل أكثر ما ميزه شكلا هو احمرار وجنتيه حتى حدود حاجبيه، ولا يحسبن أحد أن احمرار وجهه يعكس خجلا من الحوار، بل وجلا من دقة المعلومات.

ترتفع درجة الاحمرار حين يتحدث في أحب المواضيع إلى قلبه، تخصصه الذي قلما يضاهيه أحد الشأن البريطاني. يعرف حكوماتها وتواريخها وأحزابها ورؤساءها، ويسردها من ضمن حديثه بسلاسة نهر هادر، تحار معه عندها إن كان شيخا عربيا أم مستشرقا يتكلم العربية، كله طبعا في حدود العلم وأدبه.

مازحته مرة قائلا: إننا أولاد عم في اللغة.

نظر إلي من تحت غترته الناصعة البياض بصوته الهادئ والرخيم مستفسرا، يومها كان يشكو صعوبة في التنفس، أجبته «تعلمت أن للأسماء شخصيات كما البشر. أنت حمدان وأنا زيدان، نحن نضيف أكثر مما نأخذ».

ضحك في سره طويلا، ثم أجابني وهو يبتسم «يا واد بس شطارة، هكذا كان ينادينا جدك».

أحب الراحل جدي الأستاذ محمد حسين زيدان كثيرا، وأحب المدينة المنورة أكثر، ولم أكن أعرف حجم العلاقة بين الرجلين فقد ظل يسبغ علي الدكتور عاصم ظلا أبويا قائلا «أنت ولدنا وابن أستاذنا، نحن أبناء ضيعة (قرية) واحدة».

والحديث عن الضيعة يستجلب قصيدة الشاعر اللبناني ابن زحلة الجبلية سعيد عقل حين قال «سكتت يوما فهل سكتت أجمل التاريخ كان غدا».

قد غدا مع رحيل الدكتور عاصم حمدان تاريخ جميل من سجلنا الوطني.

كل العزاء لأبناء ضيعتي، والعزاء لعائلة الدكتور وأهله ومحبيه، ولبلدنا الحبيب.