بندر الزهراني

القيادة الرقمية بين الواقع والافتراض

السبت - 16 مايو 2020

Sat - 16 May 2020

شهدت الأيام الماضية نشاطا ثقافيا محموما وغير مسبوق، من جهات أكاديمية رسمية وغير رسمية، بل حتى على مستوى الأفراد، كل في مجال تخصصه ومحل اهتمامه، فعلى سبيل المثال، قبل أسبوع تقريبا عقد عن بعد «الملتقى الافتراضي الأول للجامعات السعودية»، والحقيقة أنه رغم جاذبية محاور الملتقى إلا أنني لم أتمكن من الحضور الافتراضي، أو على الأقل الاستماع لكلمات المشاركين بأي وسيلة كانت، وذلك لأسباب أولها أن الحضور كان مقصورا على شخصيات اعتبارية، ثم إن الملتقى لم يكن متاحا على شبكات التواصل الاجتماعية، وعلى أي حال خلاصة الملتقى لم تكن جديدة أو جديرة بالاهتمام، فالخلاصات في مثل هذه الملتقيات تكاد تكون من المكرورات المعروفات ومن أوضح الواضحات.

لفت انتباهي في الملتقى محور التحديات الفكرية في الأزمات واعتبارها من المهددات للانتماء الوطني، ولا سيما أن العالم أجمعه يمر بأزمة حقيقية، ولكن لا أدري: هل كان المجتمعون حينما طرقوا هذا المحور يظنون أن الانتماء الوطني عند المواطن السعودي مهزوز بالأزمات أو مهدد بالتحديات؟! أو بمعنى آخر: هل يرون انتماء المواطن كالثوب يرتديه عند الحاجة وحسب الظروف والمناسبات؟! وأنه لن تتوثق وشائجه وتقوى أواصره إلا بتجاوز هذه الأزمة أو تلك! لا طبعا، و لا ينبغي لهذا التصور أن يتشكل أو يلوح في الآفاق، بل يجب التوقف عن تكرار مثل هذه الإساءات، فأصغر مواطن سعودي على امتداد رقعة المملكة قادر على أن يجسد بصدق إحساسه ورُقي مشاعره وطنيته الصرفة دونما تكلف منه أو تزلف لأحد.

وبدل أن يناقش المسؤولون مهددات الانتماء الوطني التي هي من نسج خيالاتهم ولا وجود لها في الواقع، كان حريا بهم مناقشة سلوك القيادات الأكاديمية الافتراضية، وكيف كان ينبغي لهم التخلص من الإدارة الهرمية والانتقال إلى تكوين شبكة من الفرق، ناضجة وقادرة على الانتظام والتكيف مع الحالات الطارئة، دون الرجوع لخطط استراتيجية معدّة سلفا، وكان الأولى بدل المماحكات اللفظية التي لا طائل منها خلق إدارة ذاتية المرجع تستطيع اتخاذ القرار بجسارة وشجاعة، دون انتظار لجمع المعلومات أو الدخول في التكهنات وصناعة القرارات بالطرق التقليدية.

القيادة الرقيمة علاوة على أنها تختلف عن القيادة التقليدية في مجموعة المهارات التقنية التي يتمتع بها القادة هي أيضا قيادة نوعية، تهتم بالكيف والكم معا، بمعنى أن القادة بجانب مهاراتهم المرتبطة بدراسة البيانات وتحليلها واستخلاص النتائج منها وبالتالي اتخاذ القرارات الصحيحة؛ هم في الواقع على قدر كبير من المعرفة بالسلوك الوظيفي والذكاء العاطفي، بما يؤهلهم لإدارة المخاطر في بيئات العمل المتغيرة وذات الطابع الديناميكي، ولذلك عامل الخبرة الوظيفية بمعزل عن المهارات التقنية لم يعد ضروريا عند القيادات الرقمية كما هو الحال عند نظرائهم التقليديين، وتظل كاريزما القائد الفذ اللاعب الأساسي في بلورة شخصيته، ولا يمكن الاستغناء عنها في كلتا الحالتين.

بدلا من هذه الموضوعات المستهلكة إعلاميا، الشائعة طرقا، الشبعانة نقاشا، كان الأجدر بكل حواراتنا الأكاديمية أن تتحول إلى حوارات علمية بحتة تناقش بكل تجرد وموضوعية خطر فيروس كورونا، كل من زاوية تخصصه وعلى درجة اهتمامه، ولا بأس أن تكون هناك اجتماعات خاصة بين المسؤولين ممن هم على رأس العمل، تناقش فيها سبل تطوير القادة التقليديين وإمكانية تحويلهم إلى قادة رقميين أو استبدالهم عند التعذر أو الضرورة! وقد لا تصدقون أن بعض القيادات الأكاديمية الحالية ليست لديها المعرفة الجيدة لتصميم عرض علمي باستخدام «بوربوينت» فضلا عن أن تقود عملية تعليمية الكترونية شاملة!

drbmaz@