ياسر عمر سندي

«أنت معلم واحنا منك نتعلم»

الأربعاء - 13 مايو 2020

Wed - 13 May 2020

ما أكثر المواقف الحياتية التي نعيشها، وما أكثر الذكريات التي عايشناها وتعيش دواخلنا، وجميعها نحتسبها كمحطات نقف عندها إما لننتظر الدور ونختار ونحدد بالتالي وجهتنا، أو لنصعد للحاق بالتي تليها، أو نتركها لتغيير خطتنا ومسارنا، وجميع تلك المحطات كما أسلفت هي ذكريات تترك فينا خبرات، من المفترض أن نتعلم منها مهما كانت جميلة ومعبرة أو كانت قبيحة ومؤثرة، فهذه الخبرات هي أيام تتخللها أحداث تتجسد أمامنا كمعلم يلقي علينا الدروس ومن ثم يشرحها بعمق كي نفهمها، إلى أن يتأكد من استيعابنا لهذه الدروس.

فقد يطول شرحها ويستمر لأيام وأشهر، وقد يقصر ولا يستمر، وكل ذلك يعتمد على وعينا وفهمنا وإدراكنا وتقبلنا والتزامنا، أو على العكس من ذلك بالتجرد التام من الوعي. وفي الأخير ستظهر النتائج، ناجح مع مرتبة الشرف أو خاسر مع مرتبة الفشل.

«كورونا المعلم»، كما أحببت أن أطلق عليه، والذي يعمل أيضا في مدرسة الحياة العالمية تحديدا، جاءنا هذا المعلم الخفي بلا أي مقدمات ليعطينا دروسا ملموسة وواقعية وعميقة لا تقدر بثمن، من خلال مواقفه معنا، والتي ستظل محفورة بذاكرتنا يسجلها التاريخ وتتناقلها الأجيال.

دعوني سيداتي وسادتي القراء الأعزاء أنقل لكم الدروس التي طرحها «كرورنا المعلم»، وكيف أنه بدأ بتفصيل حياة الأفراد والعوائل والمجتمعات والدول أيضا والحكومات، من جميع النواحي الحياتية للمقومات الإنسانية، والصحية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأخلاقية، والتعبدية، وكأنما يقول في أول محاضرة له وفي أول تساؤلات يطرحها عن الصحة: ماذا تعني لك صحتك أيها الإنسان؟

هل هي ذات قيمة لديك في المقام الأول أو أن ثمة أشياء أخرى تضعها في الأولويات؟ وماذا تعني صحة الآخرين لك؟ وماذا قدمت وتقدم لهم سواء كنت في موضع المسؤولية العامة، أو مسؤولية الدولة في الجهات المعنية؟ وهل تعني لك الكثير وكذلك صحة الآخرين؟ أم إنها ليست بالضرورة القصوى كي تعطيها وقتك وجهدك ومالك، أم إنك على استعداد لتخسرها بإهمالك لها؟

وتساؤلات «المعلم كورونا» عن الجانب الاقتصادي أيضا، هل ستلجؤون مستقبلا بعد هذا الدرس إلى فلسفة الهدر أم استراتيجية الوفر؟

ما هي أولوياتكم وكيفية ترتيبها؟ وهل استطعتم أن تستجمعوا با فيه الكفاية من الخبرات والمهارات كي يتنامى لديكم حس التفريق ما بين الضروريات والحاجات والأساسيات والكماليات للفرد والأسرة في المشتريات؟ وهل استطعتُ كمعلم أن أزيد لديكم فكر الادخار، والبحث في جوانب الاستشعار بكيفية الاستثمار، وعدم الإهدار من ثرواتكم ومقدراتكم وإمكاناتكم وطاقاتكم، كدول مصدرة وأيضا مستهلكة.

وفي تساؤلاته الاجتماعية أيضا التي وجهها إلى جميع المجتمعات من دول الشرق الأقصى مرورا بالأوسط إلى الغرب الأقصى، بكل أطيافها وأديانها وأشكالها وألوانها: هل منعتكم من السفر بين القارات والدول والتنقل بين المدن، وأغلقت عليكم باب التنزه على الشواطئ والخروج إلى المطاعم؟

هل أجبرتكم على النظام بالوقوف في طوابير ملتزمين ومحافظين على مساحاتكم المكانية؟ هل أشعرتكم بقيمة الوقت والزمن والالتزام بأوقات الخروج والدخول؟ هل أفقتم من غفلتكم اللاإنسانية في تعاملاتكم البينية؟

وهل استراتيجية العزل والحجر والتباعد الاجتماعي أثرت في نفسياتكم، واستشعرتم قيمة التقارب وجمال التوافق وعظم التلاحم بين بعضكم البعض؟ هل أصبحتم متعادلين في مستوياتكم وطبقاتكم المجتمعية وأصبح الغني يشبه حال الفقير، ورؤساء الدول متساوون مع المشردين في الإصابة بي وأخذ العلاج والوقاية مني، مثلما أحدثته في الصين وأمريكا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا؟

وعن سؤال «المعلم كورونا»: هل استطعت أن أبقيكم في بيوتكم تؤدون صلواتكم وعباداتكم وسائر ما تحتاجونه من الجوانب الروحانية والتعبدية؟ كل هذه التساؤلات طرحها ولا يزال يطرحها، في جميع الدول، وبكل اللهجات: هل استفدتم من وجودي بينكم؟ هل كان لي الفضل في لفت انتباهكم، ولقنتكم دروسا لن تنسوها؟ لقد جمعتكم وكأنكم في قاعة واحدة، وبجملة واحدة أنقلها إليكم: أعيدوا حسابات حياتكم.

بتوقيع «المعلم كورونا».

Yos123Omar@