محمد الأحمدي

انتصار الحلفاء والصراع لمكافحة كورونا

الأربعاء - 13 مايو 2020

Wed - 13 May 2020

يأتي يوم الجمعة الثامن من مايو لهذا العام، والذي يشكل حدثا تاريخيا لدول التحالف الأوروبية خاصة ومنها المملكة المتحدة، لإحياء ذكرى انتهاء أزمة الحرب العالمية الثانية التي أدت إلى خسارة ما يزيد على 60 مليون نسمة، على نطاق الدول المشاركة في تلك الحرب الكارثية في تاريخ البشرية في القرن الحديث.

فتلك المحنة العالمية صنعت تحالفات جديدة، وغيرت حتى البنى الاجتماعية لكثير من الدول التي تذوقت مرارة وأسى الحرب. وساهمت بشكل رئيسي في نشأة منظمة الأمم المتحدة التي شكل المنتصرون في الحرب العالمية الثانية أعضاءها الدائمين (المملكة المتحدة، فرنسا، الولايات المتحدة، الاتحاد السوفيتي، الصين) والتي انبثقت منها منظمة الصحة العالمية التي مر يومها العالمي في 7 أبريل وهي سقيمة تصارع وباء كوفيد-19 على الصعيد العالمي.

فذكرى الانتصار الأوروبي المسمى بـ Victory in Europe حوله الأوروبيون منذ 1945م لاحتفالات راقصة، حيث يخرج الناس في احتفالات شعبية في الشوارع ليعبروا عن فرحتهم بالانتصار الذي عم القارة الخضراء، والتي لا تعرف هجير الصحراء وشدة العطش. فيتشاركون الأطعمة والمشروبات، وينشرون الأعلام الوطنية، وتزين المنازل بالورود الزاهية الألوان، وتسرد القصص والحكايات، وتستدعى الذكريات. فقد تعطل الاقتصاد، وتوقفت الحركة الطبيعية للحياة، وانتشر الخوف، ولزم الناس المنازل، واستوطن البعض منهم الملاجئ السرية.

ويتشابه حال الأمس باليوم في وقوفهم خلف دعم موظفي الصحة، والمناضلين في الصفوف الأولى، والمهتمين بالعلم والاكتشاف الذي يشكل الفارق في حسم المعركة. نعم!

يتوجس الناس آنذاك من كل ما يحلق في السماء، وتنتشر الأدخنة السوداء والبيضاء في سماء قارة الأنهار والغابات الجميلة، وتتطاير الغازات في الهواء، وكأن الجهاز التنفسي الذي عاصر الحدثين قدر له أن يخشى من الهواء مرتين في حياته، تارة من غازات القنابل التي تتساقط عليهم كالمطر، وتارة أخرى من فيروس كورونا الذي يستهدف الجهاز التنفسي.

أعود بكم لأجواء الاحتفالات، في الرابعة عصرا من اليوم المشمس، السماء صافية والشارع الذي ازداد ضيقا على ضيقه من السيارات المتوقفة على جانبيه. اليوم ليس خاليا من البشر كعادته التي تكونت منذ ثمانية أسابيع بسبب منع التجول. تنتشر الطاولات أمام المنازل مزينة بأنواع الأطعمة والشاي الإنجليزي، وترتفع الأحاديث الجانبية بين الناس الذين خرجوا جميعا بأطفالهم ليحتفلوا بالذكرى السنوية، محافظين على مسافة المترين، ولكن لم يجعلوها مانعا من الاحتفال بتلك الذكرى السعيدة التي طويت بها صفحة مؤلمة في التاريخ. وفتحت صفحة الكترونية جديدة تضمنت إحصاءات المصابين بالوباء المنبوذ الهوية، فلا أب جريء يعترف به، ولا أم تستطيع تبنيه، فرغب أن يطوف بالعالم ليعرفهم بسماته وشخصيته السريعة والحادة والغاضبة.

يأتي تجمع «التباعد الاجتماعي» ليعزز التواصل الحقيقي الذي يشعرهم بالانتماء، ويدخل السرور على أنفسهم، هدفه إحياء قيمة مجتمعية، وتحقيق مبدأ التعاون، والقدرة على الانتصار في أحلك الظروف، وأن القمر المكتمل المضيء سيظهر بعد الليالي المظلمة، فيضيء سماء العالم، ويسعد مشاهديه من على سطح الكرة الأرضية، مرة أخرى كما مر عليهم قبل ليال في أتم اكتمال له.

إن مما سمعته من مجموعة من سكان الحي السكني الذي ترهلت جدرانه، ورسم الزمن خطوط مروره عليه، ولولا الأصباغ والترميم المستمر لتلك المباني لأصبحت أثرا بعد عين؛ أن أوروبا مرت بظروف قد لا تصفها الكلمات لبشاعتها عبر السنين، لدرجة التطوع بأدوات صناعة الطعام للمصانع الحربية لصناعة ما يدافع به عن الوطن. فتعلموا تقديم الأولويات بتخلي الفرد عن الاحتياجات الثانوية التي تحيط بحياتنا اليوم.

ثم فاح عطر التطور ليعم أرجاء القارة التي سادت رائحة الموت فيها، وخيم الحزن بسمائها قبل أرضها، وناح طفلها وشيخها ألما، وتجرع اقتصادها مرارة العجز علقما. وقد أصبحت بعد ذلك قارة تنعم بالنعم، وتستمتع بالأنغام السعيدة. وتتذكر تلك المحن لمبدأ التاريخ وأخذ العبر. ويعتقد أحدهم بأن القرن القادم سيصنع من الدول الأكثر ضررا من الوباء تقدما فائقا قياسا بتفوق الدول الأكثر تضررا من الحرب العالمية الثانية.

وأقول بأن الدولة التي قدمت الإنسان، وحرصت على حياته، وسخرت قوتها لخدمة مواطنيها ستبقى خالدة لمحبيها الذين ينتشون فخرا لرؤية شعار التوحيد المطبوع على طائرة تجول به سماء العالم.

alahmadim2010@