فهد عبدالله

الحالة الراشدة

الثلاثاء - 12 مايو 2020

Tue - 12 May 2020

عندما يكون لدى أحدهم تصور تجاه موضوع معين وآخر لديه تصور مختلف، لا تقع إشكالات غالبا في هذه الاختلافات، شريطة وجود مقدار معين من التفهم، وأن الحياة لا يمكن لها أن تكون سوية بتسوية جميع الآراء في موكب واحد وعلى طريق واحد.

ولكن ماذا لو كان هناك رباط معين يجمع هذين الاثنين أو الثلاثة أو أكثر في مصلحة واحدة كتأسيس شركة أو معالجة قضية تقنية أو تعاون بحثي في إيجاد حل لمشكلة صحية، وغيرها كثير من المصالح التي تجمع البشر، هل سيكون التفهم هو الحالة النموذجية لقالب العلاقة والعمل؟

من خلال تجارب مميزة جدا يذكرها لي أحد الأصدقاء الرائعين أود أن أشاركها هنا، والتي قد تعبر عن حالة أكبر من مجرد حالة التفهم، خاصة في مجال المصلحة أو العمل المشترك، يقول باختصار شديد: إذا أردنا أن نقوم بعمل ما خاصة إذا كان في شكل حل لإحدى المشاكل أو فرصة يجب استثمارها، يتبنى كل منا فكرة معينة، وقبل مناقشتها نشترط ضمنيا بأن ما تبنيناه من أفكار لن تكون هي الخيار التي سنعمل عليه، وإنما سنسعى سويا للتوصل إلى فكرة ثالثة أو عاشرة تكون هجينا من الفكرتين، وكثيرا ما نخرج من إطار الفكرتين أو الهجين بينهما، وفي أحيان أخرى فقط نضع المشكلة أو الفرصة على الطاولة رغم عدم وجود أفكار تجاهها مسبقا، ونمارس يقيننا التام بأن مجرد الاجتماع وتسليط عدسات الفكر تجاه ما على هذه الطاولة وتقليب الفكر والنقاش حولها ستوصلنا إلى حل مذهل.

هذا القالب التفاعلي الجميل، عبر عنه الكاتب الأنيق ستيفن كوفي في كتابه البعد الثالث بعنوان «التعاون الإبداعي» الذي فيه وصفة سرية لحل جميع المشاكل وأنواعها التي تربط البشر والهيئات والمؤسسات بعضهم ببعض.

وهذه الحالة قد تكون في شكلها الخارجي وكأنها سهلة الوصول، لكنها في الحقيقة بحاجة إلى مزيد من التسويات النفسية والأخلاقية والتهيئة للتطبع بطبائع قد تكون جديدة أيضا، منها ما يلي:

• تطبيع النفس على أن الآخرين لديهم تصورات وأفكار مذهلة لا أعرفها، وهذا من شأنه بكل تأكيد أن يحيد كثيرا من التحيزات الشخصية، وكذلك يجعل الاستعداد النفسي مرتفعا للاتجاه مع الفكرة المذهلة الصحيحة أيا كان مصدرها أو النظر للأمور من خلال الزاوية المختلفة أو الحالة الجميلة التي في قصة صاحبنا بتوليد أفكار أخرى جديدة تطرح من خلال البناء على الأفكار الموجودة لدينا.

• الاتجاه في تأسيس التفاعل الحواري وكذلك التقييم من خلال فكرة إنشاء المعايير، لأن وجود المعايير وتحديد أهميتها وترتيبها ولو بشكل مبسط يساعد كثيرا في تناول النقاش وتحريك الأفكار، فضلا عن الحالة الراشدة التي تعوم مكان النقاش بأن الاحتكام في جودة الأفكار وأهميتها يكون من خلال هذه المعايير.

• في كثير من الأحيان في هذه النقاشات تطرح بعض الأفكار الغريبة أو بعض الأحيان تكون مضحكة ولكن بعد سلسلة من النقاشات والعمليات الذهنية يكون هناك فكرة مذهلة جدا، ولولا هذه الفكرة الغريبة أو المضحكة لما تم الوصول للفكرة المذهلة. الشاهد هنا تطبيع النفس بـ (مرحبا ألف) بجميع الأفكار أيا كان شكلها أو نوعها.

• وفي مرحلة متقدمة من الإيمان بأهمية هذه الطريقة في تناول الأفكار والحلول، يتكون لدى المنصت للفكرة الجديدة مبدأ تبني أفكار الآخر المؤقت، للإيمان بأن هذا الطريقة تساعد كثيرا في معرفة دوافع الفكرة وماهيتها وإمكانية تطويرها.

هذه السمات الشخصية التي تجمع المتحاورين في قوالب الحوار للحصول على أفضل نتيجة، هي قبل ذلك أرضية خصبة للنجاح والتعامل الراقي مع النفس والآخرين، من خلال التطلع دائما إلى الحياة والآخرين بعيون واسعة ولماحة إلى ما هو جديد وصحيح، وإضافة نكهة رائعة في السير على طريق تتبع الكمال الذي لا ينتهي.

fahdabdullahz@