عبدالله المزهر

الوطنية أفيون الشعوب..!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الثلاثاء - 12 مايو 2020

Tue - 12 May 2020

الروائي الذي قال إن «الوطنية هي الملاذ الأخير للأوغاد» - أو الأنذال في رواية أخرى، قالها مع أنه في سعة من أمره قبل اختراع وسائل التواصل الاجتماعي.

وأظنه - والله أعلم بالنوايا - لا يعني أن الوطنية شيء سيئ، ولكنه يقول إنهم يستخدمونها كحصن يمكنك من خلاله مهاجمة الآخرين، وحين يرد على هذا الهجوم يتمترس هذا النذل خلف الوطنية ليكون الرد عليه كأنه شتيمة للوطن.

الأوغاد الذين تحدث عنهم صاحب العبارة التي سارت بها الركبان يختزلون الوطن في تصورهم هم عن الوطنية، وما عدا ذلك فهو خيانة.

وهذا الكائن متناقض لكنه لا يشعر بهذا التناقص ولا يراه، فحين يؤمن - على سبيل المثال - بأن السعودية دولة عظمى فإنه في ذات الوقت لا يريد أن يذكر أحد اسمها في أي مكان في الكوكب، ولو افترضنا أني تحدثت مع صديق من جمهورية جزر مارشال لا يعرفه إلا أنا، ثم قلت له إني لم أستطع فهمكم أيها المارشاليون، أنتم شعب غريب الأطوار، ثم رد علي هذا الصديق في حسابي وقال «من زينكم يا السعوديين»، فإن هذه المحادثة ستكون في نظر الوغد المشار إليه آنفا صيدا ثمينا، وسيكتب في حسابه وسما يصبح ملء السمع والبصر يقول فيه: مارشالي يسيء للسعودية، ثم يطالب بطرد المارشاليين من السعودية، ثم يبحث عن أي أحد قد قال كلاما جميلا عن جزر مارشال أو عن مارشال شخصيا و«ينشب» في حلقه ويطالبه بتحديد موقفه من المملكة العربية السعودية.

ويبحث في تويتر بكل طرق البحث الممكنة عن «المرشلة» ومشتقاتها.

ولعي أقول لصديقي النذل إن كونك تؤمن بأن بلدك عظيم فإن هذا يعني أن تتقبل أن يكون محل خلاف، وأن يقال عنه كلام جيد وآخر قبيح، وأكثر قصائد الهجاء في تاريخ الكوكب قيلت في «الدول العظمى».

والدول العظمى نفسها يسخر بعضها من بعض في أفلامها وأعمالها الفنية عموما، ولا يستدعي الأمر أن يتدثر الأوغاد من مواطني تلك الدول برداء الوطنية كمدخل لشتم الآخرين.

وأرجو أن تلاحظ عزيزي النذل أني لا أمنعك من شتم الناس، فقد تجد متعة في هذا وأنا ضد حرمان أي إنسان مما يستمتع به، لكن اشتمهم أصالة عن شخصك «الكريه»، لا داعي أن تبين أنك المتحدث الرسمي باسم كل من يحمل ذات الهوية التي تحملها، ولا أن تضع صورا وأعلاما لتقول للآخرين إنك العاشق الوحيد للوطن وللمسؤولين، وإن نهجك هو الذي يجب أن يتبع إلى يوم الدين، وأن الدولة يجب أن لا تعين مسؤولا ولا موظفا صغر أو كبر قبل أن تعطي أنت الضوء الأخضر، وتبحث في تاريخه وحاضره وماضية وما زل به لسانه وبما سولت له نفسه، وماذا كان يحب حين كان مراهقا، ولا تاريخ الطبيب الذي أشرف على ولادته.

وهذه النوعية من أبطال وسائل التواصل في الغالب لا يعتمد عليه حتى أهله في إحضار أغراض من البقالة، ولا يثقون في رأيه في نوعية الخبز التي سيجلبها، لكنه وجد في مواقع التواصل فرصة لينصب نفسه وصيا على سكان المعمورة، وتقسيمهم إلى محبين وكارهين.

وعلى أي حال..

أثبتت الدراسات - التي قمت بها بنفسي - أنه يمكن أن تكون وطنيا عظيما دون أن تشتم أحدا، وقد تتفاجأ عزيزي الوغد أن الوطني المخلص هو المخلص في عمله، عفيف اليد، الذي لا يستبيح المال العام، وقد يدهشك أن الأمر أقل من ذلك أيضا، فحفاظك على نظافة شارعك، وحفاظك على الممتلكات العامة، واهتمامك بالبيئة وكف أذاك عن البشر والمخلوقات الأخرى أمور تثبت وطنيتك أكثر من كل الشتائم التي قلتها والتي تستعد لقولها، وستكون هذه التصرفات كفيلة بالرد على من تعتقد أنه يجب أن ترد عليهم، لكنك فيما يبدو تميل إلى الأعمال السهلة التي لا ترهق بدنك، ولا عقلك - إن وجد - والسلام .

agrni@