عبدالله قاسم العنزي

عقوبة الجلد بين سوء الفهم والتنظيم

الاثنين - 11 مايو 2020

Mon - 11 May 2020

ثارت الصحف الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي حينما نشر عبر وسائل التواصل قرار المحكمة العليا رقم 40/م بتاريخ 24/6/1441هـ، القاضي بعدم إصدار أحكام الجلد في العقوبات التعزيرية، والاكتفاء بعقوبة السجن والغرامة والعقوبات البديلة، وكثيرون ذهب ظنهم إلى أن هذا من حفظ حقوق الإنسان، حيث إن عقوبة الجلد ترفضها بعض المنظمات الدولية كعقوبة، وبالتأكيد أن رفض هذه المنظمات لا يعد معيارا لتقرير عقوبة الجلد وفق النظام الجنائي في المملكة من عدمه! لأن المملكة العربية السعودية كما نصت المادة الأولى من النظام الأساسي للحكم دستورها كتاب الله تعالى وسنة نبيه.

إضافة إلى أن النظام الجنائي في المملكة تميز بمعالجة كل النواحي الأساسية التي يلزم مراعاتها لحياة اجتماعية آمنة، ونجد العقوبات التعزيرية في القانون السعودي يتسع مجالها للحياة الاجتماعية بأسرها، حتى يضمن المواطن والمقيم على إقليم الدولة ممارسة حقوقه وحريته بصورة آمنة، فضلا على حماية المصلحة العامة للمجتمع.

والعقوبات التعزيرية في المملكة منها ما هو منظم مثل الأنظمة الجنائية التي شرعها المنظم السعودي وفيها عقوبة الجلد بالنص الصريح، مثل نظام مكافحة المخدرات الصادر بالمرسوم ملكي رقم م/39 بتاريخ 8/7/1426هـ، ومنها ما هو مرسل يخضع لتقدير محكمة الموضوع، وتعتبر عقوبة الجلد وسيلة من وسائل الجزاء الجنائي الذي يهدف إلى تحقيق ردع الجاني، ومنعه من العودة إلى الجريمة مرة أخرى، ومن الطبيعي أن يظهر الردع العقابي بحسب ظروفه التي تستلزم تشديده بين طيات منطوق الحكم، إلا أن السادة القضاة منهم من أفرط في عقوبة الجلد كردع للمدان، حتى إنه في بعض الأحكام تجاوز عدد سياط الجلد آلاف الجلدات! وبالتأكيد أن هذا خرج عن أهداف العقوبة السامية للحفاظ على الحقوق والمصلحة العامة.

وقد جاء في الحديث «لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله»، وهذه المسألة اختلف فيها فقهاء الشريعة، ما هي الحدود المقصودة؟ فذهب بعضهم إلى أنه لا يجوز الزيادة على عشر جلدات في غير الحدود المقدرة عملا بظاهر الحديث، والقول الثاني إنه يجوز الزيادة على عشر جلدات في غير الحدود المقدرة، ويستدلون بحديث «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم ركبوا سفينة..»، وفي قوله تعالى «وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه..»، فذهبوا إلى أن المقصود بالحدود هي الأوامر والنواهي، وهذا المعمول به في المملكة العربية السعودية إفتاء وقضاء.

وبما أن حكم الحاكم يرفع الخلاف كقاعدة شرعية، وبما أنه يجوز إلزام ولي الأمر الناسَ في الأمور العامة التي اختلف فيها أهل العلم بقول من الأقوال، بما ظهر له بعد استشارة أهل العلم والخبرة لتحقيق المصلحة العامة، لذا صدر الأمر الملكي رقم 2534 وتاريخ 20/4/1441هـ لبحث هذه المسألة في المحكمة العليا، وتقريرها كمبدأ قضائي يحقق المصلحة للجاني المعتدي ولحماية المجتمع.

ونؤكد أن عقوبة الجلد لم تلغ إطلاقا من المنظومة العقابية في السعودية، فيجوز للقاضي الجنائي في التعزيرات المرسلة معاقبة المدان بالجريمة بعقوبة الجلد بما هو دون العشرة سياط أو بعقوبات الجلد المقدرة في الشريعة الإسلامية، حال وقع في حد من حدود الله، وكذلك يجوز له التعزير بالجلد في العقوبات التعزيرية المنظمة التي نصت صراحة على عقوبة الجلد، مثل نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية.

كما أن المملكة العربية السعودية كفلت للإنسان كرامته وحفظت حقوقه كإنسان، ولذلك جاء في المادة الـ 26 من النظام الأساسي بأن تحمي الدولة حقوق الإنسان، وفق الشريعة الإسلامية، وبالتأكيد أن نظامها الجنائي خلق توازنا بين حقوق الإنسان وحقوق الآخرين والمصلحة العامة، فكما أن الإنسان له حق فكذلك للمجتمع حق الأمن والاستقرار وعدم التعدي على حقوق أفراده. دمتم بعافية وإلى حديث قانوني آخر.

expert_55@