زيد الفضيل

من يستفيد من فوضى المعرفة؟

السبت - 09 مايو 2020

Sat - 09 May 2020

لم تشهد الساحة العربية حالة من شيوع الفوضى على الصعيد العلمي والاجتماعي والديني والفكري وصولا إلى الرأي السياسي كما تشهده حاليا، عبر ما يجري تداوله في وسائط التواصل المجتمعي من آراء وأفكار واجتهادات وفتاوى، حتى بات كل إنسان في عالمنا العربي عارفا بمختلف ما يحيط بنا من أحداث، فأخذ يدلي بدلوه وكأنه الخبير المدرك لباطن الأمر وظاهره، وتجده مُحتدا يُنافح عن رأيه ويحارب الآخرين من أجله، ومع الأسف دون أن يكون له أي مستند علمي، كما لا يصب رأيه في خدمة وطنه ومجتمعه على الصعيد العام.

إنها كارثة العصر التي باتت تتوسع بشكل مذهل، وصار عوام الناس منقادين دون وعي لبعض أسماء تويترية، حصدت نسبة عالية من المتابعين لسبب أو لآخر، ثم أخذت تقدح بما لا تعرف، وتفتي بما تجهل، وتقول رأيا يمكن أن يكون له أثره السيئ على وطننا بشكل عام، وبالتالي حري بمختلف الجهات العلمية المسؤولة أن يكون لها حضورها أولا، ثم تعضيد مكانتها ضمن أروقة عالم التواصل المجتمعي ثانيا، واعتمادها كمصدر رئيس للمعرفة ثالثا، وهو ما يجب أن يتحقق بإرادة عليا حفاظا على الذهنية المجتمعية من الاستلاب لمُعرِّفات تفرض الشك في حقيقة توجهها جراء ما تنشره من تغريدات تفرق ولا تجمع، وتهدم ولا تبني، ناهيك عن تلك المُعرفات الوهمية التي تستهدف كَبَّ الزيت على النار.

في هذا السياق قد بات واجبا على مختلف المؤسسات العلمية كجمعية المؤرخين العرب، علاوة على الجهات السياسية المسؤولة، أن تقول كلمتها لتوقف كل العبث الذي بات سائدا عبر موقع تويتر تحديدا، خاصة فيما يتعلق بطبيعة الصراع العربي الصهيوني، إذ ليس مستساغا أن يزايد العامة في معاداتهم للقضية الفلسطينية، وصولا إلى إعلان إنكار استشهاد محمد الدرة، ذلك الذي أيقظ العالم بدمه البريء، عبر إظهار حجج مفبركة، القصد منها تبييض صفحة اليهود المعتدين، وتبرئة دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تعلن رفضها المستمر للمبادرة العربية للسلام، وهي المبادرة التي أكدتها قرارات قمة القدس الأخيرة بالظهران، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله.

أما ما يتعلق بالجانب التاريخي فالأمر في قناعتي أخطر، إذ وفي الوقت الذي نحتاج فيه إلى أن نستعيد تعاضدنا العربي، نجد من يعمد إلى تعزيز حالة التفرقة من منظور عرقي، ولعمري فذلك أخطر ما يمكن أن نواجهه في هذا القرن إن لم تقم مؤسسات التاريخ العلمية بواجبها، وتعمل على استعادة ما يتوجب عليها من دور أخلاقي ومعرفي، حماية لوجودنا أولا وأخيرا. وللأسف كم أستشعر أمام ناظري ذلك المثل العربي الشهير «أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض»، حين أقرأ ما ينشر على لسان البعض عبر تويتر، أو في الصحافة الوطنية، من أقوال تعمد إلى إقصاء أهلنا في الأقطار العربية عن أُرومتهم أولا، ثم انتمائهم العروبي ثانيا.

وهنا علينا أن نسأل: من المستفيد من تشتيت وحدتنا، وتفتيت قوتنا بأكثر مما نحن فيه من تشتيت وضعف؟ من الغريب الذي يهمه أن تتقسم وحدتنا العربية إلى أعراق متناحرة، فنخرج من أُرُومة عربية واحدة إلى أشتات عرقية متناثرة؟

حتما هناك مستفيد واحد من كل ذلك وهو العرق اليهودي بأجندته الصهيونية، الذي استفاد ابتداء من استحداث مصطلح الشرق الأوسط مع بداية القرن العشرين، ليدخل ضمن منظومة الإقليم الجغرافي، فهو ليس عربيا (مسلما أو مسيحيا) ليكون ضمن نطاق العالم العربي، وبالتالي فاستحداث هذا المصطلح كان مفيدا له، ولا سيما إذا ما عرفنا أنه قد جرى تحديد حدوده من تركيا شمالا إلى بحر العرب جنوبا، ومن إيران شرقا إلى مصر غربا، وبالتالي فيمكن أن يدخل عرق اليهود مع العرق التركي والفارسي والكردي ضمن هذا المصطلح.

واليوم يجري بأيدي بعضنا تفتيت اللحمة العربية عرقا بعد أن تم تقطيعها سياسة، ليصفوا لليهود الجو مصداقا للمثل العربي «خلا لك الجو فبيضي واصفري»، فهل من مبصر واع؟

zash113@