حسن علي العمري

ثم ماذا بعد؟

الأربعاء - 06 مايو 2020

Wed - 06 May 2020

كنت قد أشرت في المقال السابق لآلية التعامل مع الأحياء العشوائية في العاصمة المقدسة وقاطنيها، وكان الرأي استغلال خلو منطقة المشاعر بصفة مؤقتة للفرز والحصر والتوثيق والإخلاء، وفق خطة زمنية محددة تضع بالحسبان أهمية الوقت وضرورة الانتهاء من هذه العمليات، قبل حلول مواسم استخدام تلك المواقع.

المملكة العربية السعودية كأي دولة في العالم تمر خلال مراحل مسيرتها بأزمات ومواقف معينة تتعامل معها بعقلانية وواقعية، فتراجع ما هو كائن وما يجب أن يكون، وتعالج مواطن الخلل بما يناسب مقتضى الحال، هذا شأن الدول المتقدمة، وليس ذلك بجديد فتاريخيا في عام الرمادة وطن عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس حول المدينة بشكل منظم، وجعل على كل منهم مسؤولا عن حوائجهم وحصرهم والتعريف عليهم، ولما انتهت الأزمة شكلت لجنة برئاسة الصحابي عبدالرحمن بن عوف تتولى إعادة كل قوم إلى موطنهم مع ما يحتاجون، وتفعل مثل ذلك كثير من الدول اليوم وستفعله في المستقبل.

ربما يعيد التاريخ نفسه مع اختلاف التفاصيل، فالقاطنون بالمناطق العشوائية والشعبية في كل مدن المملكة لا يخرجون على ثلاث حالات: الأشخاص الذين سبق حصرهم ومنحهم إثباتا من أي نوع، والآخرون ممن لم يحصروا لأي سبب وهم من ذات الفئة، والثالثة من حضر للعمرة والحج وتخلف معهم من الجنسيات المختلفة، أو دخل إلى البلد بطريق غير مشروع، واندمج معهم عن طريق التزاوج خارج إطار الإجراء القانوني، فبالنسبة للحالتين الأخيرتين هؤلاء يحتكم فيهم لنصوص القانون المرعي ويرحلون إلى بلدانهم.

ما يهمني هي الفئة الأولى التي قدمت للبلد في هجرات محددة، واستضافتهم الدولة وعطفت عليهم ثم أساؤوا فهم هذه المكرمة، وخرجوا عن مسارها وغاياتها، حتى أصبحت تكتلاتهم لافتة للنظر.

أرى من الحلول لتصحيح وضعهم أن يتم التكفل بإنشاء مدن حديثة لهم في أي مكان تختاره الدولة، مكتمل البنى التحتية من الخدمات، بالنظر لوجود مساحات كبيرة خارج الملكيات الخاصة وعدد من الجزر والأرخبيلات غير المسكونة أو المأهولة، ويجري إخراجهم بالكامل من محيط المدن الرئيسة، وبالذات المدينتين المقدستين أولا ثم بقية المدن، تمهيدا لإعادة التخطيط الحديث لتلك المواقع وإعادة رسمها بما يتناسب وجمال الرواء لقاطنيها ومرتاديها، ويعبر عما وصلت له الدولة من تقدم ومكانتها بين دول العالم.

ويتم تمكين المتميزين ممن يرغب بمواصلة تعليمه لأعلى الدرجات العلمية ومن يثبت نفسه ووجوده وولاءه، ويكون إضافة للوطن وللمجتمع، فيمنح الجنسية من الدرجة الثانية، ومن لم يكن من هذه الفئة وتوقف عند مرحلة تعليم معينة فيلحق بمراكز التدريب والتأهيل المهني - إن كان لا يجيد مهنة معينة - ليتعلم مهنة تكون مصدر رزقه، وتصحيح وضعهم وفق نظام الإقامة، ليتبقى من لا يجيد مهنة أو يحصل على تعليم متقدم، فيجري تخييرهم بين العودة إلى بلدهم الأصل أو امتهان الأعمال غير الفنية ووفق نظام الإقامة ونظام العمل، مع إفهامهم جميعا أن أي خروج من أحدهم عن التزام السلوك والسيرة الحسنة بأي صورة كفيل بترحيله إلى بلده في أي وقت وهذا حل.

والحل الآخر أن يجري التنسيق مع بلدانهم حيال منحهم مساكن هناك كمنحة من الحكومة السعودية، وبالذات من كان منهم متعاونا ولم يكن عليه أي قيود معينة، بحسبان أن الشيء الذي قدموا من أجله قد زال ولم يعد قائما، وأن بقاءهم ضرر على المجتمع، والقاعدة أن الضرر يزال، كما أن الحلول الجذرية مهما كانت كلفتها أسلم لهم ولوطننا على المديين القصير والبعيد.

مع التأكيد في الختام أنه على الرغم مما تكشف عن هذه الأزمة، وما في تلك المواقع من الإشكالات الأمنية والصحية والمجتمعية، فلا يمكن تحميلهم كل المسؤوليات عن نواتج تلك الإفرازات، فهم ضحايا ظروف معينة ومستفيدون في الوقت نفسه من وضع قائم وقتئذ كان يناسبهم، وساهم فيه تراخي بعض الجهات الخدمية في تلك المناطق عن القيام بمسؤولياتها، أو تلكؤها فيها تحت أي ذريعة.

[email protected]