يعد كتاب «ذكريات ورحلات» الذي دون فيه الأديب والكاتب الشيخ صالح بن محمد جمال سيرته الذاتية، من أحفل الكتب بالشواهد والأحداث التاريخية، ومصدرا مهما لدراسة التاريخ الثقافي لمكة المكرمة في أوائل العهد السعودي، والعوامل الثقافية التي ساندت الحركة التعليمية التي ازدهرت على يد الملك عبدالعزيز.
كما يروي كتاب ذكريات ورحلات فصولا مهمة من تاريخ الصحافة في السعودية والعقبات التي واجهت البدايات، والتطورات المتتالية في مسيرتها، والشخصيات التي ساندتها .
وقد حاول صالح جمال من خلال قلمه معالجة الكثير من القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي بدأت تظهر، نتيجة للثراء المادي، والانفتاح الثقافي، وخروج المرأة للعمل والتعليم وغير ذلك، وكان قويا متحمسا في عرض أفكاره، ويعلل حماسه ذلك وقوته بقوله : « قد تولد هذا الحماس من حبي لبلادي ، وكرهي أن يمس ديني بشيء، وفي هاتين الناحتين فقط يبرز الحماس « والحقيقة أن كتاباته في الغالب لم تخرج عن هذه الناحيتين .
وقد عرض المؤلف في الباب الثاني من الكتاب نماذج من كتاباته في صحيفة صوت الحجاز، والبلاد السعودية، وحراء، ثم الندوة وعكاظ والمدينة، والواقع من يستعرض بعض كتاباته ومطالبه في تلك الفترة يجدها وبعد أكثر من نصف قرن لا زالت هي نفسها مطالب كُتَّاب اليوم فهو يقول في مقال له بعنوان : ما نرجوه من الوزارة والوزراء نشر بتاريخ 20/10/1381هـ : « لقد اتسمت كثير من مشروعاتنا التقدمية بالسير على طرفي نقيض، إفراط في الدراسة والتفكير والأخذ والرد ، إلى درجة تحول بينها وبين التنفيذ، أو تفريط في الدرس وإسراع في التنفيذ أشبه ما يكون بالارتجال إلى درجة تضييع الفائدة المرجاة من هذا العمل، ومن ثمة فإننا في حاجة إلى التوسط ، دراسة وتخطيط في غير بطء ، وتنفيذ وعمل في غير ارتجال والله الموفق» .
ويعرض في الباب الرابع من ذكرياته بعضا من الأحداث التي مرت به، كلقائه بالملك عبد العزيز في قصر السقاف، وحريق الشامية سنة 1378هـ، والسيل سنة 1388هـ، وتطوير مجلس الشورى، وإلغاء الرقيق، ورده على بعض كتابات الناصرية حتى منع وقتها من دخول مصر، وظل ممنوعا من السفر إليها مدة عشر سنوات، وبدايات إثنينية عبد المقصود خوجة، ونشأة جمعية البر بمكة، وكيف نمت من فكرة خطها قلم، لتصبح من أكبر المشروعات الخيرية التي لا زالت تعطي ثمارها حتى اليوم .
ويعد الفصل السادس، والذي تناول فيه جمال رحلاته وزيارته التي شارك فيها ، من أمتع فصول الكتاب، ونموذجا من نماذج أدب الرحلات، الذي نفتقده كثيرا في المكتبة المكية،على الرغم من كثرة الضاربين في مشارق الأرض ومغاربها من أهل مكة عبر تاريخها الطويل، إلا أن القلة منهم من دونوا أحداث رحلاتهم ومشاهداتهم كما دونها الشيخ صالح، سواء من الأدباء أو المؤرخين، ولعل صالح جمال من زعماء هذه القلة، خاصة أنه طوف في البلاد شرقها وغربها، وزار فيها المفكرين والأدباء والمصلحين الاجتماعيين مما ساعده على الخلوص من رحلاته بمعلومات وفيرة دونها في كتابه أو نشرها في الصحف.
ونجده في رحلاته مرة يسبق الزمن بعدة عقود، وأخرى يرجع بالزمن عدة عقود أو قرون، ونراه مرة يكتب وكأنه أحد المستشرقين الذين يبدعون في تصوير مشاهداتهم، أو كأنه أحد الرحالة المسلمين، الذين يهتمون بواقع المسلمين وأحوالهم، ويتألمون لما حل بالمسلمين من ضعف وتراجع، ومن ثم نقده للمذاهب الفكرية التي بدأت تظهر، من قومية واشتراكية ورأسمالية وغيرها، ويبدو أن عمله في الصحافة ومخاطبته للقراء عدة سنوات، أثر في طريقة عرضه لمشاهداته ببساطة وسلاسة، يضاف إلى ذلك ما تميز به شخصيا من محاولته نقل كل ما رآه إلى بلده رغبة في تقدمها، ويعزو رصد مشاهداته إلى رغبته في مشاركة قرائه أحاسيسه وانفعالاته فيقول : «كنت في إندونيسيا فماذا رأيت فيها ؟! لست أول من سافر إليها ، ولا آخر من سافر، ولكن الكاتب إذا وطيء أرضا تنشط حواسه، لالتقاط مختلف الأحاسيس سمعية وبصرية، فيحاول أن يرويها لقارئه تنفسيا عن مشاعره قبل كل شيء، ثم إشراكا له في تلك الأحاسيس».
[email protected]
كما يروي كتاب ذكريات ورحلات فصولا مهمة من تاريخ الصحافة في السعودية والعقبات التي واجهت البدايات، والتطورات المتتالية في مسيرتها، والشخصيات التي ساندتها .
وقد حاول صالح جمال من خلال قلمه معالجة الكثير من القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي بدأت تظهر، نتيجة للثراء المادي، والانفتاح الثقافي، وخروج المرأة للعمل والتعليم وغير ذلك، وكان قويا متحمسا في عرض أفكاره، ويعلل حماسه ذلك وقوته بقوله : « قد تولد هذا الحماس من حبي لبلادي ، وكرهي أن يمس ديني بشيء، وفي هاتين الناحتين فقط يبرز الحماس « والحقيقة أن كتاباته في الغالب لم تخرج عن هذه الناحيتين .
وقد عرض المؤلف في الباب الثاني من الكتاب نماذج من كتاباته في صحيفة صوت الحجاز، والبلاد السعودية، وحراء، ثم الندوة وعكاظ والمدينة، والواقع من يستعرض بعض كتاباته ومطالبه في تلك الفترة يجدها وبعد أكثر من نصف قرن لا زالت هي نفسها مطالب كُتَّاب اليوم فهو يقول في مقال له بعنوان : ما نرجوه من الوزارة والوزراء نشر بتاريخ 20/10/1381هـ : « لقد اتسمت كثير من مشروعاتنا التقدمية بالسير على طرفي نقيض، إفراط في الدراسة والتفكير والأخذ والرد ، إلى درجة تحول بينها وبين التنفيذ، أو تفريط في الدرس وإسراع في التنفيذ أشبه ما يكون بالارتجال إلى درجة تضييع الفائدة المرجاة من هذا العمل، ومن ثمة فإننا في حاجة إلى التوسط ، دراسة وتخطيط في غير بطء ، وتنفيذ وعمل في غير ارتجال والله الموفق» .
ويعرض في الباب الرابع من ذكرياته بعضا من الأحداث التي مرت به، كلقائه بالملك عبد العزيز في قصر السقاف، وحريق الشامية سنة 1378هـ، والسيل سنة 1388هـ، وتطوير مجلس الشورى، وإلغاء الرقيق، ورده على بعض كتابات الناصرية حتى منع وقتها من دخول مصر، وظل ممنوعا من السفر إليها مدة عشر سنوات، وبدايات إثنينية عبد المقصود خوجة، ونشأة جمعية البر بمكة، وكيف نمت من فكرة خطها قلم، لتصبح من أكبر المشروعات الخيرية التي لا زالت تعطي ثمارها حتى اليوم .
ويعد الفصل السادس، والذي تناول فيه جمال رحلاته وزيارته التي شارك فيها ، من أمتع فصول الكتاب، ونموذجا من نماذج أدب الرحلات، الذي نفتقده كثيرا في المكتبة المكية،على الرغم من كثرة الضاربين في مشارق الأرض ومغاربها من أهل مكة عبر تاريخها الطويل، إلا أن القلة منهم من دونوا أحداث رحلاتهم ومشاهداتهم كما دونها الشيخ صالح، سواء من الأدباء أو المؤرخين، ولعل صالح جمال من زعماء هذه القلة، خاصة أنه طوف في البلاد شرقها وغربها، وزار فيها المفكرين والأدباء والمصلحين الاجتماعيين مما ساعده على الخلوص من رحلاته بمعلومات وفيرة دونها في كتابه أو نشرها في الصحف.
ونجده في رحلاته مرة يسبق الزمن بعدة عقود، وأخرى يرجع بالزمن عدة عقود أو قرون، ونراه مرة يكتب وكأنه أحد المستشرقين الذين يبدعون في تصوير مشاهداتهم، أو كأنه أحد الرحالة المسلمين، الذين يهتمون بواقع المسلمين وأحوالهم، ويتألمون لما حل بالمسلمين من ضعف وتراجع، ومن ثم نقده للمذاهب الفكرية التي بدأت تظهر، من قومية واشتراكية ورأسمالية وغيرها، ويبدو أن عمله في الصحافة ومخاطبته للقراء عدة سنوات، أثر في طريقة عرضه لمشاهداته ببساطة وسلاسة، يضاف إلى ذلك ما تميز به شخصيا من محاولته نقل كل ما رآه إلى بلده رغبة في تقدمها، ويعزو رصد مشاهداته إلى رغبته في مشاركة قرائه أحاسيسه وانفعالاته فيقول : «كنت في إندونيسيا فماذا رأيت فيها ؟! لست أول من سافر إليها ، ولا آخر من سافر، ولكن الكاتب إذا وطيء أرضا تنشط حواسه، لالتقاط مختلف الأحاسيس سمعية وبصرية، فيحاول أن يرويها لقارئه تنفسيا عن مشاعره قبل كل شيء، ثم إشراكا له في تلك الأحاسيس».
[email protected]