مرزوق بن تنباك

اشتدي أزمة تنفرجي

الثلاثاء - 28 أبريل 2020

Tue - 28 Apr 2020

لعل العرب كانوا أكثر الناس تفاعلا مع الأزمات وتفاؤلا بحلولها إذا قست واشتدت، وهو ما يسمونه في هذه الجائحة بلوغ الذروة ثم التعامل معها بالواقع الذي يعقبه الفرج والانفراج، ولهذا رددوا المثل «اشتدي أزمة تنفرجي» كلما دهمتهم ضائقة أو واجهتهم أزمة.

ومواجهة الأزمات بالتفاؤل أمر مطلوب وجانب مساعد على ترويض النفس على مواجهة الصعاب التي لا بد من مواجهتها، حيث لا يد لأحد فيما تحدثه الجوائح، ولا سيما تلك التي تأتي من السماء مثل الكوارث والطبيعية كالزلازل وتوابعها والفيضانات وتدميرها والأوبئة وانتشارها، وما ينتج عن ذلك من مشكلات عظيمة مغيرة ومؤثرة في حاضر الإنسان ومستقبله، وما يتطلب حلولها من الجهود الكبيرة التي يجب على كل فرد في المجتمع حين يتعرض لضرب من الأزمات أن يكون مستعدا للمشاركة والقيام بواجبه، بصفته فردا أو مع الجماعة التي يصبح فيها وكل من يناله خطر المصائب يبحث جادا للخروج منها، وعدم الاستسلام لقسوتها مهما قويت وقست.

والأزمات أيا كان نوعها وأيا كان شمولها واتساع مداها يكون أثرها متشابها حين تقع على الجماعة الصغيرة أو على الكون كله أو حتى على الأفراد، فرد الفعل الإيجابي والمواجهة الشجاعة والتعاون المنتظر والجهود المكثفة تخفف الصدمة التي يتفاجأ بها الناس ويستعيدون قدراتهم وإمكاناتهم للتغلب على الأزمة والخروج منها بأقل الخسائر، وكلما أسرعوا بالمواجهة اشتدت الأزمة وانفرجت.

لو نظرنا إلى طبيعة الحياة كما هي وكما خلقها الله وعلاقة الإنسان بها لوجدنا أن الغالب في حياة الناس الشدة وليس الرخاء ولا الاطمئنان الذي يستنيم إليه المجتمع، وأن الخوف وليس الأمن (خلق الإنسان في كبد) هو الغالب والأكثر، وهو الذي يصاحب الإنسان ويدفعه إلى البحث المستمر عما يدرأ عنه أسباب الخوف ويوقظه على نقاط الحذر والتوقي حتى يستمر أمنه وتدوم سلامته.

لكن هل للأزمات وجه واحد هو ما يصيب الناس من شدة وقسوة وتغير في الحال الذي كانوا عليه، أو أن لها وجوه أخرى؟ الجواب أن كل وجه صعب للأزمة يقابله وجه آخر أو وجوه كثيرة، تظهر تلك الوجوه حين يهرع الناس إلى البحث عن حلول تخرجهم مما هم فيه، فيخترعون ما أمكن ويبادرون للمواجهة والحاجة أم الاختراع، والأزمات تحرك الساكن في عقل الإنسان وتنبه حواسه وتثيرها لدرء الخطر الذي تحدثه على حين غرة، فمن الذي كان من الناس كافة قبل أشهر قليلة يتوقع ما حدث من عموم الوباء وسرعة انتشاره، لا أحد كان يتوقع ذلك ولا يفكر فيه.

كان الناس جميعا يتحدثون عن القرن الواحد والعشرين ويضعون الخطط والبرامج لخمسين سنة قادمة، ويتحدثون عن مستقبل مشرق ونماء كبير في الاقتصاد والاختراع والصناعة، وعن الرفاه الذي ستأتي به خططهم ومشاريعهم المستقبلية وتقدمهم المنتظر في الاقتصاد والصناعة، وما إلى ذلك من الآمال العراض، وفي أيام قلائل أصبح العالم كله في جائحة واحدة تصيبه بالتساوي وتشغله عن كل ما كان يخطط له وما كان يتوقعه فنسى النظر في المستقبل، ورجع إلى واقعه الذي صار إليه مكرها.

وسريعا أعاد حساباته وواجه الجديد في حياته، لكن بتصور غير ذاك الذي كان فيه قبل أشهر، هذه الإعادة والمراجعة ما كان لتكون لولا شدة الأزمة وقسوة وقوعها ومفاجأتها للناس على حين غرة.

ولعل ما واجه الناس اليوم يحدث رد فعل إيجابيا فيعيدون حساباتهم ويراجعون أخطاءهم وأسباب غفلتهم، ويضعون في حسبانهم حدوث مثل هذه الكوارث في المستقبل حتى لا يتكرر ما أصابهم من هذا الوباء.

Mtenback@