محمد أحمد بابا

رصيف البدائل استراحة المتأملين

الاثنين - 27 أبريل 2020

Mon - 27 Apr 2020

الحياة الدنيا تقلبات ومراس اختلافات وأيام يداولها الله بين الناس، والله تعالى رفع قوما فوق آخرين درجات، وجعل بعضهم لبعض سخريا، ومع كل هذا المشهد فالدنيا مستمرة الدوران في ليل ونهار وشمس وقمر يتعاقبان حتى يأذن ربي للساعة بالقيام.

ولَم يجعل الخالق دوام أمر مؤكد الوقوع في أي شيء مهما كان، فكل ما خلا الله باطل، وكل نعيم لا محالة زائل إلا نعيم جنة في حياة أخرى، ومبدأ الاستبدال قامت عليه سنة الله في كونه حيث قال: (ويستبدل قوما غيركم) والبديل رغم كونه من المبدل عنه مكانه لكنه في الغالب الأعم ليس مثله في خلاف بدهي فطري فالله يقول: (ثم لا يكونوا أمثالكم).

والمتفحص لهموم الخلق ومعاناة الإنسان يجد القاعدة المثلى بأن (في الترك راحة وفي الناس أبدال) ليستقيم على كل طريق وأية حال قلب المطمئن.

ورصيف (البدائل) راحة للقلوب وإحياء للأمل، فلقد أبدل الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم سكنا في طيبة كانت هي مهجره ومنزله حياة ومماتا، وأبدل كل الكون بحياة أخرى في عهد نوح عليه السلام (واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين) وشكر الله تعالى نبي الله يوسف في آخر مشهد من قصته في رحلة بدائل متتالية فقال (وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو) فتبدل الحال وطاب المآل.

والبدائل رصيف العمل في العبادات التي جاءت من غير حرج، فالكفارات بدائل، وأداء الصلاة وفق الاستطاعة بدائل، وجماع ذلك قوله تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم) ومن لزم رصيف اليقين بأن البدائل موجودة لمن اهتدى وهدى واتقى وأحسن لم يعكر صفو حياته بلزوم الشكليات ولا مخطط الموصوفات.

ولتكون البدائل رصيفا حتى لمن مل العافية والراحة قال تعالى (فبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وشيء من سدر قليل) والربانيون من أهل التقى والسعي لما أمرهم الله به واثقون - وهم على عتبة التسليم بالقضاء والقدر أيا كان - بأن تبديل الله تعالى للحال والأحوال والأشياء هو رصيف البقاء على قيد الحياة، فالقلوب بين أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، والأبدان للقلوب تبع، والدنيا بأسرها من تكوين ذلك ناشئة متبدلة متغيرة.

ورصيف البدائل بالاختيار فطنة الأذكياء الحصفاء الذين اتقوا الله فعلمهم الله، وما رصيف البدائل بالاضطرار إلا حجة على من غره الأمل ووسوست له النفس أن لا يظن أن تبيد هذه أبدا.

ولولا البدائل في اعتماد المشرعين من معين مقاصد الشريعة لكان الدين جامد الأداء فظ الانخراط في نظر البعض، لكنه دين عالمي الوجود باق بصلاح أداء حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وربنا هو اللطيف الخبير العالم بمن فطر.

فاليوم رصيف ابتلاء وغدا بمشيئة الله طريق عبور وميراث أرض وصلاح حال وانقشاع غمة، وحينها سيكون للعاقل نظرة الخبرة واحتياطات التعلم ودربة المسؤولية عن نفسه ومجتمعه وفكره.

فكم من مجال ظنناه إن توقف توقفت الحياة فاستبدل الإنسان به غيره أو استبدل طريق الوصول إليه بطريق أخرى، وكم من حال امتعضنا منه ولو تصورا وخيالا وهو اليوم واقع نعيشه بسكون أمن وسلامة معتقد، وكم من نجاح تحقق في بدائل مؤقتة، وكم من نعمة في بديل هي أعظم منها في بدل.

اليوم تظهر بشكل بارز ثقافة الاستمرار والاستدامة رغم كل المعيقات لأن إنسان اليوم فهم بما لا يدع مجالا للجهل ما يقوله اليابانيون: الظروف غير العادية تتطلب قرارات غير عادية، وتلكم البدائل.

albabamohamad@