عبدالله الأعرج

أطفال الثمانينات.. الله عليك يا دنيا!

الاحد - 26 أبريل 2020

Sun - 26 Apr 2020

في فترة الثمانينات كان التلفاز مصدرا رئيسيا معتبرا للمتعة، ومنافسا عتيا لألعاب الشارع القائمة بشكل كبير على الجهد البدني من كرة قدم وركض واختباء ومغامرات وفروسية!

وفي الثمانينات تحديدا استوى التلفاز على سوقه كمصدر مشوق وغني لجميع شرائح المجتمع وللطفولة بشكل خاص، ولم يغادر ذلك العقد من الزمن حتى أحكم هذا الجهاز الجميل سيطرته على كل مكامن الإبداع التي سأستعيدها مع رفاق تلك الحقبة الجميلة الذين ما برحوا يذكرون تلك اللحظات ويتمنون العودة إليها ولو بعض يوم!

لم يكن التلفاز كجهاز من مواليد الثمانينات، بل سبقها بنحو نصف قرن وتعاقبت عليه عمليات التطوير والتحسين عاما بعد عام إلى أن وصل إلى ما نشاهده اليوم، وكذلك تطور الإنتاج التلفزيوني تبعا لتطور المعرفة البشرية والذائقة الإنسانية والاحتياج الفعلي، وهو الجزء المهم في حديثي اليوم: إنسان التلفاز وليس جهازه.

ولعل أهم ما ميز التلفاز في الثمانينات الميلادية تلك البرامج التي خاطبت عقولنا وقومت اعوجاج ألسنتنا وحركت ملكة الإبداع والتأمل لدينا في مجتمعنا المحلي، الذي كان حينها في أوج قابليته للتطوير والانطلاق نحو التنمية ومجاراة العالم بما فيه من مقدرات وإبداعات، وانفتاح إيجابي على كل جديد ومفيد.

اللغة كانت دوما حاضرة في تلفاز الطفولة في الثمانينات، فالبرامج الكرتونية كانت على جرعتين، إحداهما صباحية بعد إفطار التاسعة صباحا، وثانيتهما بين العصر والمغرب، وكلاهما يستفيض جمالا بالشخصيات الكرتونية وهي تتحدث بلسان عربي مبين، وهو الأمر الذي شكل تلقائيا لدى كثير منا لسانا قويما وقدرة مبهرة على اكتشاف اللحن اللغوي حين يقع. كذلك فإن البرامج التوعوية الموجهة للطفولة آنذاك والمنتجة من قبل مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج العربي كانت كنزا ثمينا لاكتساب لغة نقية لا تلتوي بها الألسن ولا تأنف من سماعها الآذان. عودة للوراء لبرنامج افتح يا سمسم مثلا كفيلة بإيضاح ما أقصده في هذا الاتجاه.

المعرفة في تلفاز الطفولة في الثمانينات كانت سيدة المشهد بلا شك. كيف لا والطفولة متعطشة للجديد في كل فروع المعرفة آنذاك؟ ولن أكون مبالغا لو قلت بأن كثيرا من برامج تلك الحقبة جعلت من طفل الثمانينات موسوعة متنقلة في فهم ثقافات الشعوب وآداب الأمم، ولعلي أذكر رفاق المرحلة ببرنامج (قصص عالمية) الذي كان غذاء روحيا وفكريا لنا آنذاك، وهو ينقلنا بين جمان الأدب الأسكتلندي واليوناني والإغريقي والصيني وغيرها، منتقيا قصصا هادفة وحكايات من تلك الآداب لتكون مسرحا للسجال بين الأطفال آنذاك، وهم يسترجعونها ويضحكون لفرط جمالها قبل أن يخلدوا إلى النوم.

ويا ويل قلوب أبناء الثمانينات وهم يسترجعون كنوز بنك المعلومات، ويبكون مع أمهاتهم حول ضياع طفل في مسلسل أصابع الزمن، وكم هم محظوظون ببرامج الترفيه البريء والمسابقات الجميلة والفن المسرحي المتزن والفنون الراقية البعيدة عن الابتذال في الكلمة والنشاز في اللحن والصوت معا.

وما أجملكم جيل الثمانينات وقد غُرست ثقافة الإعلام الهادف في نفوسكم، واستوطنت جوارحكم إلى الحد الذي جعلكم تتناوبون على تقليد البرامج التي تحبونها في لهوكم صباح مساء، وتتعاركون على أن يحظى كل واحد منكم باسم شخصية تلفزيونية شغف بها أثناء أحاديث السمر، بل وتختصمون وتهرعون إلى الكبار تسبقكم دموعكم ليقضوا بينكم ويعيدوا لكل واحد منكم ما يراه مظلمة تلفزيونية سلبت منه دون وجه حق، وما ذاك إلا لعظم التأثير وقوة الأثر.

وكم أحسنت قناة ذكريات وهي تكافئ ابن الثمانينات ومن كان معه حينها بأخذهم مجددا لتلك الحقبة الفاتنة من زمن التلفاز، وإعادتهم لذلك الجمال من عمر التقنية، ليلحظوا وقد خط المشيب رؤوسهم كم كانت تلك الأيام عامرة بالإنتاج الواعي والعمل المتقن والانتقاء الدقيق، لتثبت الحقيقة الراسخة أن الجمال لا يحول ولا يزول وإن تعاقبت الأيام واختلفت العقول.