علي المطوع

الممكن في أدبيات الحزبيين العرب

الاحد - 26 أبريل 2020

Sun - 26 Apr 2020

السياسة فن الممكن والممكن غالبا هو الوسيلة التي تُبلغ بها الغاية، وهذا ما يفسر بعض المتغيرات والاستثناءات التي تعتري السياسيين في العالم، وتؤثر على سياساتهم وتصرفاتهم، مثلهم كما يقول أحد الظرفاء مثل الشعراء في قصائدهم عندما تحين الضرورة الشعرية ومتلازماتها الفنية، فيحق لهم صرف ما لا ينصرف.

ولأن أي سياسة لها إطار شكلي أو مرجعية تستقي منها أدبياتها التي منها تبدأ وإليها تعود، فكذلك الحزبي في أي مكان في العالم له مرجعيته ومدرسته وأفكاره التي ينطلق منها وإليها يؤصل ويؤصَل.

هذه المقدمة أسوقها مستذكرا موقف إسماعيل هنية وهو يضفي على قاسم سليماني - المختلف والمخالف - في جنازته شهادتين كبيرتين، الأولى صفة الشهيد والثانية اقتران هذه الشهادة بالقدس بكل ما تحمله من أبعاد إسلامية بشكل عام وسنية بشكل أكثر خصوصية في وجدان الأمة الإسلامية شعوبا وحكومات.

وهنا نتساءل: هل كان هنية مخيرا أم مسيرا وهو يضفي هذه المنزلة السامية على قاتل أهل السنة والجماعة وميتم أطفالهم وحارق قلوب الأمهات في العراق وسوريا؟ أم إن الأمر كان صفقة سياسية بدأت من لحظة التأبين، أم هو ثمن وجب دفعه للقيادة الإيرانية وكان الزمان والمكان لحظة فارقة يحب اقتناصهما، وهذا ما فعلته الجماعة وترجمه هنية من خلال شهادته تلك التي أوجعت قلوب أهل السنة وجعلتهم يعيدون حساباتهم تجاه ما يطرح من سياسات، وإن تلبست بالدين شعارا وهوية؟

وهنا نعود إلى شعار «الإسلام هو الحل» وشعارات أخرى كالحرية والعدالة والمساواة التي كانت وما زالت ترفع في كل تظاهرة انتخابية أو مزايدة سياسية، ونتساءل: هل هذه الشعارات هي التي يؤمن بها هذا الطيف من المعارضين أم هي مجرد وسائل لبلوغ الغايات التي تتصارع عليها كل الأحزاب والتيارات المختلفة؟

ليس غريبا على السياسي أن يحضر من خلال خلفية فكرية محددة، وليس بمستغرب أن يرفع شعارا يؤمن به ويدافع عنه، لكن الخلل والعيب عند المتلقي وقبل ذلك التاريخ، يكمن في سلوك هذه الجماعات والأحزاب عندما تحرر هذا المفهوم الديني أو الفكري حينا وتتحرر منه أحيانا أخرى، والمسوغ في كل الأحوال هو الضرورة، والضرورة تبيح الالتزام به مرة والانعتاق منه مرات عديدة، وهنا يصبح الفرد داخل هذه التنظيمات أو في المجتمعات أمام تناقضات خطيرة وأساليب من المكر والخديعة، الهدف منها استنزاف عواطف البسطاء وإعادة بعثها من جديد، لتسخر خدمة لأفراد وليس لمفهوم بعينه أو بعد فكري آخر يعود نفعه للشعوب والمجتمعات.

إن التحولات السياسية التي عصفت بمنطقتنا العربية وما صاحب هذه التحولات من شعارات وصعود حركات وهبوط أخرى، تؤكد أن جل الحركات والأحزاب في عالمنا العربي ذات الواجهات الإسلامية والعلمانية أو المتذبذبة الهوية، تتعاطى السياسة بكل أبعادها وفق منظور مصلحي انتهازي صرف، بعيد عن الشعارات التي ترفعها، والتي تدغدغ بها عواطف البسطاء من الناس، همها الوصول إلى مراكز صنع القرار ولو كان الثمن هو تلك المبادئ والقيم التي قامت عليها تلك الجماعات، فالغاية تبرر الوسيلة، ويظل الحكم وسلطانه وسطوته هي الغاية التي ترخص وتمتهن من أجلها كل أشكال الحلول وأكثر الشعارات.