سحر أبوشاهين

معدن السعودية يكسبها المعركة

الاحد - 19 أبريل 2020

Sun - 19 Apr 2020

كل هذا حقيقي تماما، نحن لسنا على مقاعد المتفرجين الآن، لا نحمل كيس فشار كبير ولا مشروبا غازيا يكفي 3 أشخاص! ليس فيلما ولسنا ممثلين فيه، حتى أكثر كتاب السيناريوهات خيالا لم يتصور أن يتحول أحد نصوصه لواقع يعيشه لحظة بلحظة وتمر دقائقه ثقيلة وبطيئة، يمكننا وبكل ثقة القول إن مرض كوفيد 19 فاجأ العالم على حين غرة، لم تكن الأغلبية مستعدة بشكل كاف، ولا حتى الدول التي يصطلح على تسميتها بدول العالم الأول، وأرقام الوفيات فيها بالألوف يوميا شاهد عيان على ذلك.

عالم ما بعد كورونا ليس كالعالم قبله، ولا يمكن أن يكون بأي حال، نحن مجبرون على أن نتغير، وسوى ذلك ليس خيارا متاحا، يجب أن تعيد دول العالم ترتيب أولوياتها وأين تنفق أموالها وتستثمرها، في أي القطاعات وفي أي الدول؟ وهل الصين ما زالت محل ثقة لتستحوذ وتحتكر هذا القدر من حجم الصناعات والتجارة عالميا؟ وهي التي تتزايد الدلائل يوما بعد آخر على إخفائها حقيقة تفشي فيروس كورونا لديها حتى انتشر وتدفق منها كتسونامي أغرق معه كل العالم.

إن السبب الرئيس في الكارثة التي يعيشها العالم اليوم ليس في سرعة تفشي الوباء الذي تحول لجائحة فحسب، بل في عدم تنبه منظمة الصحة العالمية لخطورته مبكرا وإطلاق التحذيرات التي تتناسب مع ذلك ليأخذ الجميع احتياطاته، وهو إخفاق يثير تساؤلات، وأيضا في عدم وجود منظومة بحث علمي شاملة ومنسقة الجهود وممولة بسخاء، بحيث تتمكن من اكتشاف لقاح وعلاج للفيروس الجديد، بسرعة تتناسب مع حجم الدمار الذي يخلفه كل يوم يستمر تواجده بيننا.

ورغم كآبة وقتامة الصورة العامة، إلا أن النجاح الباهر للسعودية في التعامل مع هذه الأزمة باعث على الاطمئنان والراحة، إذ أصبح مثارا للإعجاب والشكر في الخارج، فأشاد صندوق النقد والبنك الدوليان بمبادرة مجموعة العشرين لتخفيف أعباء الديون على الدول الفقيرة خلال جائحة فيروس كورونا المستجد، وأشادت أيضا منظمة الصحة العالمية بإجراءات السعودية لمكافحته، كما كان هذا النجاح سببا لحمد المواطنين لله على نعمة وطنهم وقيادتهم الحكيمة في الداخل، التي طبقت الإغلاق الكامل للبلاد مع كلفته الاقتصادية الباهظة، في فترة مبكرة جدا رغم أن وصول الفيروس لها كان متأخرا بضعة أسابيع مقارنة بدول أخرى، ترددت كثيرا في اتخاذ الإجراءات الصارمة نفسها.

كل ذلك يشكك في حقيقته الشعارات التي طالما رفعها وتباهى بها الغرب عن حقوق الإنسان لديه، أليس أهم حق بينها هو الحفاظ على حياة هذا الإنسان، وحياة أمه وأبيه وجيرانه وأصدقائه؟ وأن لا يصل الممارس الصحي لمرحلة يضطر فيها لاختيار لمن يعطي جهاز التنفس ومن يترك ليواجه مصيره؟ أليس من بين أهم الحقوق أن تضمن له أن لا يفقد وظيفته، وأن تحفظ كرامته فلا يتشرد ولا يمد يده للناس لو فقد مصدر دخله؟ أليست التنظيمات والأوامر الملكية التي اتخذتها بلادنا بلد الخير والكرم، ضمنت كل ذلك؟ ليس لمواطنيها فقط، بل حتى للمقيمين على أرضها من غير السعوديين، ووفرت لهم العلاج المجاني مدفوع التكاليف بالكامل، والعزل المدفوع للمخالطين والسلال الغذائية للمحتاج منهم، وغير ذلك كثير مما لا يتسع المقام لحصره، ألا يعرف معدن المرء في الأزمات والشدائد؟ فمن المنتصر في المعركة هنا؟ نحن أم هم، أنا أعرف الإجابة جيدا.. فماذا عنكم؟

خلال معايشتنا الأزمة برزت أهمية التوطين في كل القطاعات، وكيف أن الخطوات التي اتخذتها حكومتنا في الأعوام السابقة كانت في المسار الصحيح، والدليل على ذلك أن المواطنين هم أكثر الملتزمين بضوابط الحجر الصحي ونسب إصابتهم نحو 25% من إجمالي المصابين بحسب تصريح متحدث وزارة الصحة، في حين أن نحو 75% من إجمالي المصابين بالمرض غير سعوديين، وهذا يؤشر لخلل بينهم في الالتزام بالضوابط، الأمر الذي يشكل تهديدا للأمن الصحي المجتمعي، يحتم دراسة أسبابه ومعرفة ثغراته والتعامل معها بحزم في الفترة المقبلة، وهذا حاضر بالتأكيد في رؤية القيادة الحكيمة ومحل اهتمامها.

الأكثر قراءة