طلال الشريف

نحو إصلاح جذري للمناهج الجامعية

السبت - 11 يناير 2020

Sat - 11 Jan 2020

يتوقف نجاح جامعاتنا في إحداث التحول النوعي لمخرجاتها وردم الفجوة بين مخرجاتها ومتطلبات سوق العمل على سرعتها في إصلاح جذري للمناهج الجامعية، لأن واقع المناهج الجامعية ضعيف، فضلا عن الخلل الكبير في آلية تصميمها وبنائها. فالمنهج بمفهومه الحديث يتجاوز المحتوى العلمي الصرف إلى شموليته للخبرات والمهارات التي تهيؤها الجامعات لطلابها داخل الجامعة وخارجها بما يساعدهم على النمو الشامل العقلي والنفسي والاجتماعي والثقافي والديني والجسمي.

وواقع المناهج الجامعية في معظم جامعاتنا غير مرض، حيث لم تشرق على معظمها شمس التطوير منذ سنين طويلة، وكثير منها منسوخ من مناهج خارج الوطن، وبعضها متخلف عن التقدم العلمي في مجال التخصص، وآخر منها يتسم بضبابية أهدافها وغياب التقويم الموضوعي الدوري، وكلها تركز على تصميم المنهج الجامعي بمفهومه التقليدي الضيق المقتصر على المحتوى العلمي وغياب تصميم المناهج الجامعية بمفهوم المنهج الحديث ليشمل الأهداف والمحتوى العلمي والأنشطة والخبرات وطرائق التدريس ووسائله والتقويم والعوامل غير المباشرة المؤثرة على المنهج.

ولا غرابة لهذا الواقع إذا ما عرفنا آلية تصميم المناهج في الجامعات، فهي لا تخرج عن حالتين، إحداهما تعبئة نموذج توصيف المقرر المعتمد من المركز الوطني للتقويم والاعتماد الأكاديمي من قبل المتخصصين في القسم الأكاديمي المختص من خلال لجنة أو عمل فردي، ويتضمن نموذج التوصيف مفردات المقرر وتوزيعه وزمنه وتحديد المرجع الرئيس والمراجع الإضافية للمقرر، ويبقى تحديد المراجع مرهونا باجتهاد وخبرة أعضاء اللجنة أو العضو إذا كان منفردا وبعيدا عن الأسس العلمية والتربوية والاجتماعية الخاصة بتصميم المناهج،

وبدون مشاركة المتخصصين في المناهج في معظم الأقسام الأكاديمية باستثناء التربوية منها.

وقد يواجه عضو هيئة التدريس المكلف بتدريس المقرر مشكلة عدم توفر المرجع الرئيس أو حتى المراجع الإضافية، مما يدفعه إلى القيام بتجميع المقرر من مراجع أخرى وفق خبراته، وهذا ما يجعل مكتباتنا مليئة بالملخصات الجامعية المخزية، والنتيجة شتات عضو هيئة التدريس، خاصة حديث الخبرة، وشتات الطلاب وفقدان التكامل الأفقي اللازم في مفردات المقرر الجامعي، والتكامل الرأسي مع المقررات الجامعية الأخرى في المستوى الجامعي نفسه أو المستويات الأخرى.

والحالة الثانية في تصميم المناهج الجامعية تكليف القسم الأكاديمي المختص مجموعة من الأعضاء المتخصصين بتعبئة نموذج توصيف المقرر الجامعي المعتمد من المركز الوطني للتقويم والاعتماد الأكاديمي لمقررات تخصصهم، وتأليف المقررات وفق مفردات توصيف المقرر التي وضعت سابقا، مع اختيار المراجع الإضافية المناسبة من المكتبات العامة، وتطبع الجامعة المميزة المقرر أو يطبعه الأعضاء أنفسهم عن طريق أحد الناشرين، وتسميته بالكتاب الجامعي لمقرر ما وتسويقه للطلاب.

وإذا ما أردنا إحداث تحول نوعي في مخرجات الجامعات وجب علينا وبسرعة إصلاح المناهج الجامعية وتغيير آلية تصميمها وبنائها وتطويرها، والإيمان بأن المناهج الدراسية علم له نظرياته وأسسه وقواعده، وهو ما يتطلب بالضرورة إنشاء وكالة مستقلة في الجامعات تحت مسمى وكالة الجامعة للمناهج الجامعية تعنى بإجراء تقويم شامل ودقيق للمناهج الجامعية، وتحديد نقاط قوتها وضعفها، وتعنى بإدارة وتصميم المناهج الجامعية على أسسها الصحيحة، ومتطلبات اعتمادها وتقويمها وتطويرها بشكل دوري يتراوح بين ثلاث سنوات وخمس سنوات، بحسب التخصص ومدى تطوره العلمي، وذلك بالاعتماد على أعضاء هيئة التدريس في الأقسام الأكاديمية، وعلى المتخصصين في المناهج بصفتهم الخبراء في تصميمها مع وضع الحوافز المجزية لهم، وبحيث تتولى الجامعة طباعة المقرر الرئيس أو ما يعرف بالمرجع الرئيس في توصيف المقرر المعتمد من الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي وتوفيره للطلاب برسوم رمزية. وتترك للمكتبات التجارية حرية توفير المراجع الإضافية للمقرر الجامعي الرئيسي.

وهناك جانب مهم وداعم في إصلاح المناهج، وهو دور عضو هيئة التدريس الرئيسي في تصميم المقرر الجامعي، وفي تفعيل الاستفادة الحقيقية من المراجع الإضافية الواردة في توصيف المقرر المعتمد من الجهات المختصة، وذلك من خلال تكليف الطلاب بالقراءات النقدية فيها،

أو عمل الأبحاث والملخصات العلمية المناسبة، أو حتى بتخصيص جزء من وقت المحاضرة للمناقشة الجماعية، والتنويع أيضا في طرائق التدريس، وإشراك الطلاب فعليا في تحضير الدروس الجامعية ومناقشتها وتقويمها.

حتى طلابنا الجامعيون يجب أن يدركوا طبيعة الدراسة الجامعية، واختلافها الجذري عن التعليم العام من حيث تعدد وتنوع القراءات حول المقرر الواحد، وعدم التقيد فقط بالمقرر الجامعي الرئيسي، والحرص على تنفيذ المهام التعليمية والبحثية المكلفين بها من قبل أساتذتهم بأنفسهم، ليستمتعوا بأدائها ويلمسوا انعكاسها على سماتهم الشخصية ومستواهم العلمي والثقافي.

@drAlshreefTalal